لبنانيات

هل سقطت قواعد الاشتباك نهائيا على جبهة جنوب لبنان؟

كامل جابر – اندبندنت عربية

يجمع المتابعون لمجريات الحرب الدائرة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، على أن ما تعرف بـ “قواعد الاشتباك” التي كانت تحكم المعارك والاشتباكات الدائرة على حدود لبنان الجنوبية وشمال إسرائيل منذ 10 أشهر ونيف، تتساقط منذ أكثر من أسبوعين، معلّلين الأمر بالخرق الذي أحدثه الإسرائيليون عندما اغتالوا مساء الثلاثاء في 30 يوليو (تموز) الماضي، القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية ومعه عدد من الضحايا المدنيين. وتوعّد “الحزب” وأمينه العام حسن نصرالله بالرد على هذه العملية باعتبار “أن العدو (الإسرائيلي) أصبح يقاتل بلا قواعد وبلا خطوط حمراء”.

إسرائيل تتجاوز حدود الاشتباك

ويلاحظ متابعو الأحداث اليومية على الساحة الجنوبية للبنان، تجاوز الإسرائيليين للمناطق والبلدات التي كانوا يستهدفونها بشكل مستمر جنوب نهر الليطاني إلى شماله وكذلك نحو مختلف المناطق اللبنانية وصولاً إلى عاصمة الجنوب مدينة صيدا، الواقعة على مسافة 50 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، والإغارة من مسيّرة على ساحة تزدحم عادةً بالناس، لا سيما أنها تلامس أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، مخيم “عين الحلوة”، تحقيقاً لاغتيال القيادي في “حركة حماس” في منطقة صيدا سامر الحاج مساء السبت في التاسع من أغسطس (آب) الجاري.
كذلك وفي حادثين منفصلين أغارت مسيرة إسرائيلية ظهر أمس الأربعاء على ساحة في بلدة العباسية شرق مدينة صور الجنوبية في محاولة استهداف دراجة نارية مما أدى إلى إصابات في صفوف المدنيين تجاوزت الـ17 إصابة بينهم أطفال. وفي مساء اليوم ذاته، أغارت مسيرة إسرائيلية على ساحة مدينة مرجعيون، عاصمة القضاء، مستهدفةً سيارة فيها عناصر من “الجماعة الإسلامية” ما أدى إلى مقتل مَن فيها وإصابة ستة مدنيين. يأتي ذلك بعد يوم تقريباً من إغارة الطيران الحربي الإسرائيلي على بلدة كفركلا القريبة من مرجعيون مستخدماً للمرة الأولى صواريخ ارتجاجية ثقيلة.

تهديدات تعزز النزوح

وفي خضم التهديدات المتبادلة بالتصعيد وبالردود على الاستهدافات وما يسمى “الخروق” لقواعد الاشتباك، سُجل مزيد من نزوح عائلات جنوبية من قرى وبلدات كانت تُعتبر حتى الأمس القريب من الخطوط الخلفية للمعركة، أي الخطوط الثانية والثالثة، وكانت لم تزل ملأى بأهلها وبنازحين لجأوا إليها من قرى وخطوط المواجهة الأولى، خصوصاً في ظل استهداف الطائرات الإسرائيلية المسيرة والحربية عدداً منها في الأسبوعين الأخيرين، وما نجم عن ذلك من سقوط ضحايا مدنيين على نحو ما حصل في بلدة دير سريان (قضاء مرجعيون) وبلدة شمع (قضاء صور).

يشار إلى أن عدد النازحين من البلدات الجنوبية الحدودية كانوا قبل التصعيد الأخير بحدود 100 ألف نسمة. وتجزم مصادر متابعة لشؤون النازحين أن أعداداً كبيرة من العائلات تركت المناطق التي كانت قد نزحت إليها من قبل، إلى مناطق وبلدات أبعد في الجنوب، فضلاً عن نزوح جديد سُجل في النبطية، وصور، ومناطق شمال نهر الليطاني، وأقضية الجنوب وبلداته، ليتجاوز عدد النازحين 130 ألفاً.

صواريخ ارتجاجية على كفركلا

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية ليل الثلاثاء الماضي أن “الجيش الإسرائيلي نفذ أقوى هجوم في كفركلا منذ بداية الحرب، وهو كناية عن هجوم على أهداف تحت الأرض”. وذكرت وسائل الإعلام عن غارة كفركلا، أن “سلاح الجو استخدم قنابل خارقة للتحصينات للمرة الأولى منذ بداية الحرب (في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، وهي قنابل “أم كي-84” (MK-84) مزودة بمجموعة “جدام- جي بي يو- 31″ (GBU-31 JDAM) تم إسقاطها من طائرة أف- 35”.

وعُلم أن الغارة التي استهدفت كفركلا، استخدمت فيها الطائرات الإسرائيلية ثلاث قنابل ارتجاجية ثقيلة، سمع دويّ انفجارها في مختلف مناطق الجنوب، إلى مسافة تخطت 30 كيلومتراً. وأدت هذه الصواريخ بحسب معلومات محلية إلى تدمير أربعة منازل بشكل كامل، وألحقت أضراراً بنحو 25 منزلاً في البلدة المستهدفة.

“نتوسع كلما توسعوا”

وتفيد معلومات تدور في “أجواء” قريبة من “حزب الله” إلى أن “الحزب لا يزال على قراره المعلن من الأمين العام، أنه كلما توسع العدو في استهدافاته، توسع الحزب في الرد، والدليل على ذلك أن الحزب بعد استهداف مدينة صيدا واغتيال القيادي في “حماس” سامر الحاج استهدف قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل هي “محفاة آلون” جنوب غربي مدينة صفد، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف هذه القاعدة منذ تبادل القصف عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر”.

وتؤكد المعلومات “أن حزب الله يحافظ على قواعد الاشتباك والإسرائيلي يعرف هذا الشيء تماماً. ثمة توسع في قواعد الاشتباك لكن لا يوجد انفلات، وما يعتبَر انفلاتاً هو قيام الإسرائيليين بقصف الضاحية الجنوبية، وقد تحدث الأمين العام للحزب بصراحة أن ما حصل ليس كسراً للقواعد فحسب، بل كسراً للخطوط الحمر”.

وكان مقاتلو “حزب الله” قد شنوا مساء السبت 10 أغسطس، هجوماً جوياً بأسراب من المسيرات الانقضاضية على قاعدة “محفاة ألون”، الواقعه جنوب غربي مدينة صفد التي تبعد نحو ثلاثين كيلومتراً من الحدود اللبنانية. وتحدثت البيانات الإعلامية عن سقوط إصابات في صفوف الإسرائيليين واندلاع حرائق في أكثر من منطقة.

تبدل قواعد الاشتباك

ويشير العميد في الجيش اللبناني حسن بشروش، رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود، إلى أن “قواعد الاشتباك تقضي بعدم التعدي على المدنيين. إسرائيل تخطت هذه القواعد وراحت أكثر باتجاه اغتيالات سياسية وقصف مدنيين، ما يعني تبدل هذه القواعد، وهذا ما يدفع “حزب الله” إلى الرد على الإسرائيليين بعد تجاوزهم الخطوط الحمر لقواعد الاشتباك، التي كانت تحافظ وفق اتفاق ضمني غير مكتوب أو مبرم، على قاعدة تفاهمات من وراء الحدود”.

منظومة الذكاء الاصطناعي

وإذ يؤكد بشروش أن “القرى الأمامية التي تُعتبر في الصف الأول من المواجهات، من الناقورة إلى شبعا، نال القصف الممنهج والمدروس عليها من جميع المباني بالتدرج، وراوح المدمَّر منها ما بين 40 و60 في المئة على مراحل خلال 10 أشهر”. ويلفت إلى أن “العمل العسكري لم يعد يستهدف المراكز العسكرية الثابتة، بل يستهدف أشخاصاً محددين من خلال منظومة الذكاء الاصطناعي مع المعلومات والمخبرين ووسائط التنصت العالية التقنية والدقة وكل التقنيات المتوافرة لدى الإسرائيليين، والرصد الجوي الذي يزوده بها سلاح الجو الأميركي والبريطاني على ساحل المتوسط بالتعاون مع فرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا”. ويضيف، “إن الإسرائيليين يخوضون بمساعدة دول كبرى حرباً تقنية إلكترونية تترصد بصمة الصوت أو بصمة العين والصورة من خلال غرفة عمليات الوحدة 8200، والتنصت على الاتصالات الأرضية والخلوية والجوية في لبنان عامة وفي المناطق الجنوبية بشكل خاص، بين أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، وعندما يجهز لديهم أي هدف يبادرون فوراً إلى قصفه أو تدميره، مما يعني أنهم انتقلوا من العمل العسكري والميداني إلى العمل الاستخباراتي والتنصت والاغتيالات”.
ويفند العميد المتقاعد عملية التنصت على الاتصالات “من خلال كل مكالمة تجري في هذه المناطق تتعلق بالحرب أو العمل العسكري أو أي إشارات حولها، من جميع المواطنين، وتتولى داتا المعلومات تحليلها مدعومة من المسيرات التي تداوم في سمائنا طوال 24 ساعة في اليوم، بالتعاون مع الطيران الأميركي والبريطاني ومركز التنصت الموجود في قبرص، وقد جاء ذلك في أعقاب قيام “حزب الله” بتدمير جميع أجهزة التجسس والمراقبة والتصوير التي كانت إسرائيل تنشرها على طول الحدود اللبنانية من الناقورة إلى مرتفعات شبعا قرب جبل الشيخ”.

من 10 إلى 30 كيلومتراً شمال إسرائيل

ويوضح العميد بشروش أن “الحزب” وبعد خرق “الإسرائيليين لقواعد الاشتباك واستهدافهم مختلف المناطق اللبنانية من شمال نهر الليطاني إلى بعلبك والهرمل وبيروت، عدّل في قواعد الاشتباك القديمة التي جعلت نحو 250 ألف مستوطن ينزحون نحو مسافة أبعد من 10 كيلومترات لتبقى مناطقهم الشمالية خالية تماماً وتنعدم الحياة فيها طوال 10 أشهر متتالية، وعرضة للقصف ضمن قواعد الاشتباك هذه التي تجاوزها الحزب بين الحين والآخر، رداً على اعتداءات الإسرائيليين على مدنيين، إلى مسافات أبعد من ذلك، إلى نحو 30 كيلومتراً وبات يستهدف ثكنات عسكرية انتقلت من محاذاة الحدود اللبنانية إلى هذه المسافة”.
ويعيد تأكيد أن الإسرائيليين يحاولون “من خلال المسيرات تعويض المواجهات المباشرة والمناوشات التكتيكية الحدودية، وبناءً على التنصت والمعلومات التي تؤمنها الأقمار الاصطناعية الأميركية والأوروبية وداتا المعلومات والتحليل، إذ لديهم كل المعلومات عن المجتمع اللبناني والمجتمع الجنوبي خصوصاً، ومن خلال التنصت الأرضي والخلوي، بما فيها المكالمات المتداولة بين الناس العاديين، مما يؤمن له بنك معلومات، يساعده كلما توافرت له معلومات حاسمة حول هدف ما، على أن يذهب لتصفيته”.

لذا وبحسب بشروش فإن “الطيران الحربي الإسرائيلي لا يتدخل إلا في حالة الأهداف البعيدة التي لا تصل إليها المسيرات بسرعة، أو لاختراق جدار الصوت ترويعاً للناس، أو إذا كان الهدف كبيراً يفوق قدرة صواريخ المسيرات على تدميره”.
ويؤكد رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود أن “أحداً لا يعرف تماماً إلى أين تتجه الأمور وكم ستستمر، إذ يحاول الإسرائيليون في هذا الوقت الضائع تعويض هيبتهم بالاغتيالات التي أعتقد أنها لن تقدم أو تؤخر ولو أثر ذلك في الدعاية السياسية والإعلامية”.

صواريخ ارتجاجية للتدمير

وحول استهداف بلدة كفركلا الحدودية بالصواريخ الكبيرة الارتجاجية يوضح بشروش “لو أنها تنفع في تدمير الأنفاق بحسب ادعاء الإسرائيليين لكانت دمرت أنفاق غزة. على العكس، أمس انطلقت صواريخ حماس من أنفاق غزة واستهدفت تل أبيب. إن كل ما يستخدمونه من أسلحة متطورة لم تحقق لهم النصر، لذا يبحثون عن هيبتهم، وثمة مماطلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية”.
في هذا السياق يوضح رئيس بلدية كفركلا حسن شيت أن “الغارة الأخيرة بالصواريخ الثقيلة الارتجاجية أحدثت دماراً كبيراً في أربع وحدات سكنية وأصابت شظاياها كثيراً من البيوت المجاورة. وفي السادس من أغسطس الجاري قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير مبنى بلدية كفركلا، وهو مبنى حكومي يتبع لوزارة الداخلية والبلديات اللبنانية، فنلاحظ من مدة بعيدة أن العدو الإسرائيلي ينتقم من بلدة كفركلا من خلال تدمير منازل أهلها، وقد تجاوزت نسبة التدمير الـ35 في المئة وبات الدمار ينتشر في جميع أحياء البلدة وشارعها الرئيس وأراضيها وبساتين الزيتون فيها”. ويضيف رئيس البلدية شيت أن “كفركلا تعرضت طوال عشرة أشهر متتالية، إلى أكثر من 190 غارة من الطيران الحربي، ناهيك بالقصف المدفعي الذي يطاول أحياء البلدة من حين إلى حين، إذ إن البلدة من أولى البلدات الجنوبية التي تعرضت للقصف والغارات”.

تفوق تكنولوجي إلكتروني

من جهته، يؤكد العميد المتقاعد في الجيش اللبناني علي ياغي “أن قواعد الاشتباك سقطت منذ اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر. يضاف إلى ذلك أن العدو الإسرائيلي تجاوز مسافة الـ10 كيلومترات التي كانت تُعتبر المنطقة التي تدور فيها الاشتباكات وتشكل إحدى أركان قواعد الاشتباك، فطاولت استهدافاته مناطق الهرمل، وبعلبك، والبقاع الغربي، ثم الضاحية الجنوبية لبيروت، فصيدا، ولم تسلم من اعتداءاته صور، والنبطية، ومرجعيون، لذا قواعد الاشتباك في حال انهيار تام، مع العلم أن الحزب يلتزم حتى اليوم بعدم استهداف المدنيين الإسرائيليين”.
ويرى العميد ياغي أن “الحزب ما زال محكوماً بالقرار الإيراني القاضي بعدم التوسع في المعركة أكثر مما هي عليه”. ورداً على سؤال عن إمكانية إنهاء رد “حزب الله” التصعيد القائم منذ نحو أسبوعين، يجيب العميد ياغي، “يجب أن نعرف نوع الرد واستيعاب إسرائيل لهذا الرد وإذا كان سيطاول مدنيين أو دبلوماسيين أو حتى العمق البحري، هذا منوط بالهدف. من جهتي أتصور أن الأمور ذاهبة نحو تصعيد إقليمي، ونتنياهو لا يريد سلاماً والمؤشرات جميعها تدل على ذلك، هو يريد من أميركا أن تضرب إيران أو المفاعل النووي فيها”.
وإذ لا ينفي ياغي قدرات “الحزب كقوة رادعة مهمة، لكن الإسرائيلي يقاتل اليوم بالتكنولوجيا المتطورة جداً، إذ لديه تفوق تكنولوجي أكثر مما عند الحزب، يضاف إليه الدعم التكنولوجي والإلكتروني والاستخباراتي الدولي، والدعم المادي بالسلاح المتطور والطائرات وغيرها”.

نزوح من جديد

من جهة ثانية، يؤكد المواطن محمد ناصر من بلدة دير سريان في قضاء مرجعيون أن “البلدة وبعد الغارة الأخيرة التي استهدفت ساحتها بتاريخ الثالث من أغسطس الجاري وأدت إلى سقوط ضحيتين من المدنيين، غادرها معظم أهلها، وباتت خالية بنسبة 90 في المئة، بعدما كان المقيمون فيها طوال الفترة السابقة يتجاوزون الـ60 في المئة، إذ أثارت الغارة على دكان في ساحة القرية خوف الناس المقيمين في بيوت متواضعة ويعتاشون من الزراعة وتربية الماشية”.
ويلفت إلى أن البلدة سبق وتعرضت لقصف مدفعي وغارات على أطرافها “لكن لم يكن الناس يتوقعون تعرضها لغارات مباشرة، خصوصاً أن قريتنا تقع في الخط الثالث الخلفي لقرى المواجهة الأولى، وقد تركت بعض العائلات البلدة في فترات متفاوتة، لكنها كانت تعود إليها بين الحين والآخر لمتابعة حقولها الزراعية وقطاف بعض المواسم مثل مواسم التبغ”.
وعلى المستوى العائلي يقول ناصر، “أنا وعائلتي غادرنا القرية أخيراً، وتوزعنا بين قرى ميفدون (قضاء النبطية) وبافليه، ومعركة (قضاء صور)، بعدما كنا نواصل حياتنا ونهتم بالزراعة التي تشكل مصدراً أساسياً لرزقنا، لكن تركت في البلدة عدداً من العمال السوريين، يتابعون موسم السمسم وعملية تجفيفه على السطوح، فيما لم أوفّق هذا الموسم في زرع القمح وتصنيع الفريك البلدي الذي يحتاج إلى إيقاد النار تحت سنابل القمح وهي خضراء، كي لا يرتفع الدخان في أجوائنا فيلفت نظر العدو إلينا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى