أخبار النبطية

سوق اللحم التراثي في النبطية يتغلب على منصة صيرفة وضجيجها

لا صوت يعلو فوق صوت «صيرفة» هذه الأيام، فهي الشغل الشاغل للمواطن الذي لا يهدأ في جمع العملة اللبنانية وإيداعها في المصرف، تاركاً كلّ هواجسه الإقتصادية جانباً، همّه كيف يعوّض خسائره القديمة.

صحيح أنّ مشهد المصارف خيّم على أجواء مدينة النبطية، حيث وضع كلّ مصرف القيود التي تناسبه، وبعضهم وضع سقفاً للإيداع، والبعض فتح صيرفة للعامة في حين حدّد للموظف العام مبلغ على قاعدة «ناس بسمنة وناس بزيت»، غير أنّ مشهد سوق اللحم التراثي كانت له الغلبة: رائحة اللحم تفوح من داخله، محال قديمة متلاصقة، تحيط بها ساحة واسعة… يشكّل سوق اللحم التراثي في النبطية أحد ابرز معالم المدينة السياحية، إذ لا يمكن لأي زائر أن يزورها من دون أن يعرّج عليه.

من باب حجري مقبّب تدخل السوق، حيث يطالعك «مستشفى الأحذية»، إحدى أبرز المهن العتيقة في المدينة، حيث وضع صاحبها علي الخياط اسمها كنوع من التميّز، منطلقاً من أنّ الحذاء يحتاج الى صيانة تشبه الطبابة. يشكّل «المستشفى» علامة فارقة في سوق اللحم، فهو مقصد الناس لترميم أحذيتهم المهترئة ويشهد إقبالاً كثيفاً بسبب «القلّة» وسوء الحال، ويتولى خياط إصلاح الأحذية بمعاونة ابنه، لافتاً الى «أنّ مهنة الكندرجي عادت لتحتلّ الصدارة، وزاد الطلب عليها بشكل كبير، فوضع الناس مأسوي ويفضّلون إصلاح الحذاء بـ25 ألف ليرة على شراء جديد بـ12 دولاراً».

يغطي دخان شواء اللحم السوق، صحيح أنّه شهد تراجعاً بسبب الأزمة المعيشية غير أنّه ما زال صامداً، يضمّ حوالى 10 لحامين، بعضهم من الجيل القديم، إن لم يكونوا جميعاً، ما زالت عجقة السوق تضجّ بذاكرتهم، يتحسّرون على الماضي، لم يعايشوا أزمة مماثلة سابقاً، يقرّون بتراجع نسبة بيع اللحم، وإقتصار الشراء على «الوقية»، غير أنّهم يؤكّدون أنها «شدّة وبتزول».

ينتظر اللحام أبو علي زبائنه في ملحمته الصغيرة، يسنّ سيخ اللحم إيذاناً بتحضير «طلبية» لأحد الزبائن، يتأسّف على حال السوق، غير أنّه يعوّل على متغيّر ما، يأمل في أن يعجّ بالحركة مجدّداً وأن يعود رواده اليه، يسأل: أين السيّاح؟ الكلّ يريد أن يزور المدينة لتذوّق «أطيب لحمة»، على حدّ قوله.

إلى جانب الملاحم، تقع دكان العمّ علي الكرشت، ما زال يبيع القهوة العربية، مرّ قرابة 40 عاماً على عمله، ويعدّ الأقدم في المدينة وهو جزء من هويتها، اذ لا يمكن لزائر السوق أن يخرج من دون تذوّق قهوته، فهو يتقن إعدادها، ويحافظ على أصالتها، يحمل ابريقه النحاسي القديم في يده وفناجين القهوة في الأخرى، فـ»طرطقتها» تخبر بمجيئه، لم تتراجع حركة البيع كثيراً رغم ارتفاع سعر كوب القهوة، بل يؤكّد أنّ العمل لا يبدأ من دونها. يلفت إلى أنّ مهنة القهوجي عتيقة وقد دخلها شبان كثر، غير أنه يبقى الأقدم.

إلى جانبه يقع صالون أبو يوسف، واحد من أقدم الحلّاقين في المدينة، لا زال كلّ شيء على حاله، كرسي قديم وعدّة تقليدية، لم يتخلّ عن قديمه، يحافظ على زبائنه أبناء جيله، فجيل اليوم يريد «حلاقة عالموضة» وهي لا تتوفر في صالون أبو يوسف، بل القصّة لديه التقليدية، وحلاقة الذقن «عالموس»، يضحك قبل أن يؤكد أنّ صالونه شاهد على تطور المدينة وسيحافظ عليه ما دام على قيد الحياة.

يعدّ سوق اللحم بمحتوياته الأثرية أحد أبرز المعالم التاريخية في النبطية ولا تحلو زيارة المدينة من دون المرور به، والعين كلّها أن تجذب السياحة الشتوية زواراً الى المدينة.

رمال جوني – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى