“راحت عالمدرسة بالمريول… ورجعت بالكفن”
الوالد والوالدة ما زالا تحت وقع الصدمة، وفي صمتهما ألم أكثر بلاغة من لغات العالم. وحدها دوللي، الشقيقة الكبرى لماغي، كسرت ذلك الحاجز وفتحت قلبها لنا بكلام مدجّج بدموع الألم والحرقة على غياب من وصفتها بـ»حياة البيت». «يلّي صار صعب كتير. تخايلي أختي راحت عالمدرسة بالمريول ورجعت بالكفن. هيدا آخر شي كنّا منتخايلو، وبعدنا لهلّأ منّا قادرين نصدق». هكذا لخّصت دوللي واقع العائلة المأسوي الذي انقلب رأساً على عقب. تجهش بالبكاء وتتساءل: «لم يأخذوا روح ماغي فقط إنما دمّروا حياتنا جميعاً. هل ذنبها أنها كانت تحاول شقّ مستقبلها عبر ثانوية رسمية في دولة وصل فسادها إلى هذا الحدّ؟».
بلسان أقرب الناس
بين لا منطق الحياة ولا عدالة الأرض، نسأل عن باقي أفراد الأسرة. هنّ شقيقات أربع كانت ماغي «الغنّوجة» الصغرى بينهنّ. الأقرب لها سنّاً تتابع دراستها الجامعية في حين أن الشقيقتين الكبريين أنهتا تخصّصهما. «مستقبلنا جميعاً كان معلّقاً على ماغي، أما الآن فلا أمل لدينا بالغد. أختي تجد صعوبة في إكمال دراستها بمجرّد دخولها مبنى الجامعة وتخيّلها أن ماغي هي من كان يُفترض جلوسها على أحد مقاعدها». وبعد صمت عميق، تضيف: «هي شخص كلّو حياة، ما بعرف كيف العمر سرقها هيك. يمكن لأنها أنضف من كتير أشياء بالبلد. كانت تعشق التصوير، وتلتقط الكثير من الصور. كأنها كانت تريد التزوّد بأكبر قدر من معالم الحياة وتوثيق ما أمكن قبل انقضاء الحلم». التخصّص في الرياضيات أو الكيمياء أو حتى فن التصوير كان محور أهدافها. ولكن…
وضع رفاق ماغي ليس أفضل حالاً. الصدمة كبيرة إلى درجة أنهم غير قادرين على تقبّل العودة إلى مقاعد الدراسة على أعتاب المشهد الذي حفر في ذاكرتهم. وهذا اختصار بلسان الشقيقة عمّا حصل يومها. «بداية سمعنا من بعض الأقرباء أن حادثاً وقع في المدرسة لكننا لم نعلم بإصابة ماغي. توجّه والدي مسرعاً إلى هناك. ثم وصلني خبر عن تعرّض ماغي لإصابة بالغة فلحقت بوالدي على الفور. ونحن في الطريق اتّصلت بنا أمي لتخبرنا بنقل ماغي إلى المستشفى، وإلى هناك توجّهنا». وتكمل: «أختي فارقت الحياة قبل أن تصل المستشفى. توسّلت الأطباء كي يفعلوا أي شيء لإنقاذها، لكن الوقت كان قد فات. للوهلة الأولى ظننتها مزحة. مستحيل أن تتحوّل الفتاة المفعمة بالحياة إلى جثة هامدة». دوللي كانت أوّل من تعرّف إلى جثة أختها. فهل من وصف لتلك اللحظة؟ «بترجّاكي ما بقدر». وتجهش بالبكاء مجدّداً.
ردّ الاعتبار لروحها
ندع الشقيقة تلتقط أنفاسها ثم ننتقل إلى الإجراءات القانونية التي اتّخذتها العائلة بحق المتورّطين. ونسمع منها: «نحن نعرف جيداً أن لا شيء سيعوّض خسارة ماغي، لكن هدفنا ألا تعيش عائلة أخرى ما نعيشه نحن، وألّا نبقى ندور في دوّامة الأرواح المزهقة نتيجة الفساد المستشري». إشارات كثيرة كانت توحي بوجود خلل ما في مبنى المدرسة، كما تشير دوللي. فأختها الوسطى أخبرتها منذ أربع سنوات عن سهولة حفر الجدران داخل الصفوف لتخبئة الهواتف. كيف لجدران مدرسة أن تكون بهذه الهشاشة؟ لا ندري.
على أي حال، العائلة تقدّمت بشكوى شخصية ضد كل من يثبت التحقيق تورّطه. لكن لا مستجدات في الملف إذ لا موقوفين حتى الساعة رغم هول ما حصل. الثقة بالقضاء مهزوزة، وتبريد القلوب صعب، إلا أنّ «ما نطلبه هو ردّ الاعتبار ولو قليلاً لروح ماغي من خلال سجن ومحاسبة المتورطين ومنعهم من الاستمرار في وظائفهم، كي لا تكون هناك ماغي أخرى أو أكثر».
بعيداً عن الأقارب والأصدقاء، مواساة العائلة اقتصرت على بعض أساتذة المدرسة، كما على ممثل وزير التربية، القاضي عباس الحلبي، الذي شارك في الجنازة. أما الوزير، فرفضت العائلة حضوره إلى المنزل لتقديم واجب العزاء. فهو، بحسب دوللي، «امتنع عن حضور جلسة لجنة الأشغال العامة لتحمّل مسؤولياته. وإن كان هناك من واجب يقوم به، فهو محاسبة المسؤولين في وزارته وليس تقديم كلام معسول لنا».
نداء الوطن – كارين عبد النور