طائر جديد يغزو النبطية والجنوب ويشكل خطرا … اليكم التفاصيل
النبطية – كامل جابر
“لقد قضى طائر المينا على طيور اليمام، ومن الملاحظ تراجع أعدادها ما ينذر بانقراضها. منذ دخول هذا الطائر إلى مدينة النبطية كانت أعداد اليمام بالمئات، أما الآن فقد أصبح قليلاً جدّاً”
يعيش دوار كفررمان (النبطية) عصر كلّ يوم، أجواءً موسيقيّة صاخبة ولافتة، أبطالها طيور ذكيّة صدّاحة، ذات منقار أصفر، باتت منذ نحو سنتين تحتلّ سماء المنطقة وسطوح الأبنية والبيوت وأعمدة الكهرباء وأسلاكها، ناهيك عن بعض الشجر المرتفع والملتمّ، على نحو أشجار النخيل.
يُعرفُ فرد هذه الطيور بطائر المينة، أو المينا (المَيْنة الشائعة: الأسم العلمي Acridotheres tristis بالإنكليزية Common Myna) وهو ليس طيراً أصيلاً، بل يُعتبر طائراً دخيلاً غازياً وبات يظهر في العديد من الأمكنة والمدن الجنوبيّة في السنوات الخمس الأخيرة، في النبطية وصيدا وصور وغيرها، بعد انتشاره منذ سنوات خلَت في العديد من المدن اللبنانية الأخرى كطرابلس وبيروت وإهدن، بيدَ أنّه يتكاثر بسرعة فائقة، وبات يشكّل خطراً مُحدقاً على التنوّع البيئي والحيويّ في لبنان، إذ إنّه يتغذّى على فراخ الطيور وبيوضها بعدما ينتهك أعشاشها، فضلاً عن مروحة واسعة من الأغذية الأخرى والحشرات.
يتميّز طائر المينة بلون بنّي داكن موشّى برماديّ يصبغ أطراف الجسد وبرأس أسود، وقائمتين صفراوين، ومنقار يحمل الأصفر عينه، ويتّصل بحلقة لوزيّة الشكل حول عينيه، مع مساحة بيضاء بباطن الذيل وعلى باطن الجناحين تكون على شكل عينين كبيرتين عندما يطير. ويُعرف كذلك بقدرته على إنتاج أصوات متعدّدة، تصل إلى نحو خمسة أصوات مختلفة، ويمكنه حفظ نحو مئة كلمة أو أكثر إذا ما تمّ تلقينه أو تعليمه وهو سريع الالتقاط. وهذا لا يمنعه من الصراخ المزعج وإطلاق الصافرات المختلفة في كثير من الأحيان. ومع هذا فهو طائرٌ اجتماعي، يعيش في أزواج، ويتواجد في جماعات كبيرة، ويستطيع القفز والمشي.
باتت هذه الطيور الذكية والمتكلّمة موضع نقاش دائم بين الناشطين البيئيين وجمعيات حماية الطيور على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لأنها طيور مزاحمة ومشاكسة وصارت تشكل خطراً فعليّاً على الطيور المواطنة والمقيمة، لأنّها تصنّف من الطيور الغازية في لبنان، ولم يُسجّل سابقاً أن عاشت هذه الطيور طويلاً في بلادنا من قبل.
يتكاثر بسرعة فائقة، وبات يشكّل خطراً مُحدقاً على التنوّع البيئي والحيويّ في لبنان، إذ إنّه يتغذّى على فراخ الطيور وبيوضها بعدما ينتهك أعشاشها، فضلاً عن مروحة واسعة من الأغذية الأخرى والحشرات
قبل الخوض في السجال البيئي والحيوي وما تشكلّه من خطر على التنوع البيولوجي في لبنان، لا بدّ من التوقف عند سبب انتشاره اللافت في بلادنا، في العقود الأخيرة، إنّما ليس قبل ثلاثة عقود. ويرجح الخبراء البيئيين انتشاره إلى هروب أزواج منه من متاجر بيع الطيور وبدء تكاثرها في أحياء المدينة، بعدما استحضرت لأغراض الزينة واقتناء الطيور المغردة والببغاوات في البيوت وعلى الشرفات؛ أو حضوره من بلاد قريبة، من فلسطين التي يتكاثر فيها الطائر المذكور منذ عقود عديدة.
تخريب المحاصيل الزراعية
يؤكد رئيس “جمعيّة الجنوبيّون الخضر” الباحث والناشط البيئي الدكتور هشام يونس لـ “مناطق نت” أنّ “ثمة احتمالين رئيسيين لمصدر انتشار طائر المينا في المناطق الجنوبية، إذ يتم التركيز عادة على تواجد مجموعات منه في بيروت كمصدر لانتشاره على الساحل وصولاً إلى الجنوب، حيث سُجّل تواجده منذ التسعينيّات في محيط الجامعة الأميركيّة، ويُرجّح متابعون أن يكون ذلك نتيجة هرب عدد منها من متاجر الطيور، قبل أن تتكاثر تباعاً وتنتشر في أكثر من موقع في المدينة، ثم راحت تنتشر في خارجها. أما الاحتمال الثاني، فهو أن تكون الطيور آتية إلى الجنوب من فلسطين، حيث تشير التقديرات المتحفّظة إلى وجود مجموعات كبيرة من هذه الطيور في فلسطين مع حالة انتشار النوع في سيناء”.
في فلسطين تعتبر طيور المينا الشائعة او “الهنديّة”، دخيلة وغير محبّبة على الاطلاق إذ أنّها متّهمة بتخريب المحاصيل الزراعيّة ومواسم الفاكهة والحبوب، ولكونها كذلك، فهي قادرة على ازاحة الطيور المحلية، وهو الخطر الأبرز. ومن المعلوم أنّ الطائر الدوريّ وبرغم ذكائه واستطاعته بحذاقة أن يتعايش مع البيئة الفلسطينية وكذلك اللبنانية، وانتشاره بشكل واسع جداً، فقد بدأت أعداد هذه الطيور تتناقص وتتباعد عن السكان المحلّيين في البلدات والمدن، بسبب تعرّض أعشاشه وبيوضه وفراخه لفتك طائر المينا.
نبّه هشام يونس في تقارير صحفيّة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلى خطر داهم من هذه الطيور على “محميّة مدينة صور” ويشير إلى أنه لاحظ انتشارها “في زيارات متكرّرة لمواقع مختلفة في المدينة التي تحوي محميّة طبيعيّة تضمّ موقعاً مصنّفاً للأراضي الرطبة، وهي واحدة من أكثر النظم البيئيّة البريّة حساسية وتعقيداً وعرضة لتحدّيات التغيّر المناخي. وهذا ما يجعل مسألة استقرار وتكاثر مجموعة من الطيور الغازية في محيطها الحيويّ غاية في الخطورة. هناك كذلك توثيق لمشاهدات نوع غازٍ آخر من الطيور هو الباراكيت الأخضر (Psittacula krameri) أو الببغاء المطوق الصغير (Ring Necked Parakeet) في بعض المناطق الحدوديّة مع فلسطين، في ميس الجبل وكفركلا، لا يزال محدود العدد. وهو يلي طائر المينا من حيث الخطورة على التنوّع البيولوجيّ واقتصاد المُزارع”.
وحول كيفية الحد من تفاقم مخاطر طيور المينا على التنوّع البيئي في المناطق الجنوبيّة، يقول الدكتور يونس: “على الرغم من أنّني من حيث المبدأ ضدّ الصيد، خصوصاً في ظل وضعنا البيئيّ المتدهور، والقتل العبثي للطيور الذي يحدث طوال العام، من دون التقيد بفترات السماح والأنواع المتاحة أو المسموح اصطيادها، فثمة طرق عديدة للحدّ من انتشار طائر المينا ولجم تكاثره المُخيف، ويعود التقدير إلى تقييم الحالة، قد يكون من ضمنها أذونات بصيد أعداد منها لعدم توافر وسائل بديلة، أو اصطيادها حيّة بطرق ما وتصديرها أو حبسها ضمن أقفاص، لكن هذا يرتبط بتقدير الحالة في كلّ منطقة على حدة، خصوصاً في ظلّ محدوديّة نشاط مفترساتها في أماكن تجمّعها ونشاطها في المحيط الحضريّ.
تحذير لوزارة البيئة
يضيف يونس: “الطيور الأخرى جزء لا يتجزأ من الموارد الطبيعية في بيئتنا، ولقد دعونا وزارة البيئة إلى ضرورة التحرك. وأنه يجب التعامل مع الموضوع بجدية فائقة تجاه إدارة الموارد ومنع انفلات الصيد على النحو الذي يجري، ما يقضي سنوياً على أكثر من مليوني طير مهاجر ومحلّي، وكذلك منع الصيد في مواسم التزاوج والتكاثر وتعديل فترات السماح، لأن كل ما يحصل في الصيد هو صيد غير مشروع. يجب إيقاف الصيد كلياً لمدة خمس سنوات على الأقل، حيث تتم في هذه الفترة عملية تقدير أنشطة وحيوية الأنظمة البيئية. وفي ما خصّ طائر المينا، على الوزارة أن تبادر إلى وضع تقييم سريع وتقدير للحالة، ووضع خطة للتعامل مع خطر هذا الطائر الغازي لبلادنا ومحيطاتنا المختلفة. هناك طيور محلية باتت تحت الخطر في مواجهة طير عدائي جداً، برغم صوته الجميل وذكائه الخارق وقدرته على التقليد. المشكلة في التقييم وعدم وجود إدارة للموائل في لبنان”.
يُعدّ “المينا الشائع” أحد أكثر أنواع الطيور الغازية تحدّياً على مستوى العالم، بالنظر إلى مقدرته على منافسة الأنواع المحليّة والتكيّف والتكاثر في الظروف المناخيّة المؤاتية التي يوفرها التغيّر المناخي، وسلوكه في تخريب واحتلال أعشاش الطيور الأخرى، وبناء أعشاشه على أنقاضها في أحيان كثيرة. فضلاً عن اعتباره، في حالات انفلات أعداد المجموعات، آفة زراعية، ناهيك عن أن هذا الطير يعيش من 10 سنوات إلى 12 سنة.
من النبطية كتب علي حرب: “لقد قضى طائر المينا على طيور اليمام، ومن الملاحظ تراجع أعدادها ما ينذر بانقراضها. منذ دخول هذا الطائر إلى مدينة النبطية كانت أعداد اليمام بالمئات، أما الآن فقد أصبح قليلاً جدّاً”.
تراجع أعداد طيور الدوري والبلابل
شكوى علي حرب يؤكدها سكان “دوّار كفررمان” إذ يلاحظ معظمهم تراجع أعداد طيور الدوري والبلابل واليمام التي كانت تعيش في الحي والجوار ويرجحون انكفاءها إلى مناطق بعيدة بعدما فتكت طيور المينا بفراخها وبيضها.
ثمة احتفال يومي متكرر يشهده سكان “الدوّار” يتمثل بانتشار العشرات من طيور المينا قبل الغروب على أسلاك الكهرباء أو سطوح الأبنية ثمّ اجتماعهم في شجرة ما أو شجرتين وسط عزف صوتي صادح يشارك فيه المئات، ويتنوع بين الموسيقي والتغريد والصراخ، ولا ينتهي مع مغيب الشمس وحلول الظلام.
وبرغم جمالية صوته وتكيّفه مع الأجواء المحيطة، يلاحظ المهتمون في الزراعة تراجع انعقاد الزهر في موسمه وتبدل أحوال النباتات والأرض بسبب غياب الطيور التي كانت تقيم بشكل دائم في البلدات والقرى منذ عشرات السنين وتشكّل تكاملاً بيئياً مع غيرها من الفراشات والنحل.
غذاؤه وتكاثره
تفرض كلّ منطقة ينتشر فيها المينا نمط غذائه، وهذا ما يدفعه للعيش في المناطق السكنيّة والمزارع، حيث يشرع في التزاوج والتكاثر. وهو يتغذى على الحشرات والزواحف والعناكب والقشريات والثديات الصغيرة، والحبوب والفاكهة، وبقايا الطعام وفتات الخبز التي يلقيها البشر، وله ساقان قويّان، وجسد جسور قادر على الطيران ملايين الأميال بحثاً عن الغذاء.
يلاحظ المهتمون في الزراعة تراجع انعقاد الزهر في موسمه وتبدل أحوال النباتات والأرض بسبب غياب الطيور التي كانت تقيم بشكل دائم في البلدات والقرى منذ عشرات السنين وتشكّل تكاملاً بيئياً مع غيرها من الفراشات والنحل.
يتمتّع طائر المينا بقدرة عالية على التكاثر، فكل زوج منه ينتج دورتين من الفراخ في الموسم، ويستمر موسم تكاثره من شهر آذار إلى أيلول، يعشش في الحدائق داخل تجاويف الأشجار والجدران، وفي الشوارع داخل فجوات أعمدة الإنارة وإشارات المرور ومكيفات الهواء.
يتساعد الأبوان في بناء العش من الأعشاب الجافة والأغصان والأوراق ومخلفات الإنسان، ويحدث في أحيان كثيرة أن يحتل زوجان من المينا عش زوجين آخرين، الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع معارك عنيفة، يصبح العش بعدها مُلكاً للزوج المنتصر.
تضع الأنثى ما بين أربع إلى ستّ بيضات ذات لون أزرق سماوي داخل العش، يحتضنها الوالدان لمدة تتراوح بين 13 إلى 14 يوماً، تفقس بعدها ويتولى الوالدان رعاية الصغار وإطعامها، وقد بيَّنت الدراسات أن الوالدين يزورا الفراخ في العش بمعدل 22 زيارة في الساعة الواحدة لإطعامها. وتصل الفراخ إلى سن الطيران بعد 18-25 يوماً تقريباً، ولكنها تبقى مع والديها لشهر آخر تتعلم منهما مهارات العيش.
تشير التقارير من فلسطين التي يرجّح قدوم طيور المينا منها إلى جنوب لبنان، إلى أن إحضار المينا إليها بدأ منذ ثلاثينيّات القرن الماضي مع المهاجرين اليهود، داخل أقفاص للتربية في البيوت بسبب صوته الجميل وقدرته على تقليد الأصوات، ولكن بسبب سرعته في التكاثر، لم تعد الأقفاص البيتيّة تكفي الأعداد الضخمة التي أخذت تتضاعف بسرعة، لذا أخذوا يرسلون الأعداد الفائضة منه إلى حديقة “سفاري رمات غان” التي أنشئت على أنقاض قرية الخيارية الفلسطينية، ومن هناك تسرب إلى البيئة وأخذ يعشش ويتكاثر، وقد لوحظت بدايات وجوده في مدينة قلقيلية الواقعة على الخط الأخضر، ومنها تسرب إلى بقية مناطق الضفة الغربية.