بالاسماء : من هم رواد الماسونية في النبطية والجنوب ؟
الصورة : محفل “المرج” في مرجعيون متوارياً خلف الأشجار وقد دمره القصف الإسرائيلي إبان عدوان تموز 2006 (الصورة علي مزرعاني)
“شارع المحفل” هو أحد الشواهد على التواجد الماسوني في بوابة الجنوب، صيدا. وقد أخذ الشارع هذا الاسم، لتواجد محفل ماسوني في أحد أبنيته، منذ سنوات تقارب المئة.
في صيدا أيضاً كان هناك محفل شهير، في المكان عينه الذي أصبح صالة سينما “أمبير” في ما بعد، كما كان هناك محفل ماسوني في المبنى الذي يضم سينما “شهرزاد”، ولم يكن الأمر بتلك السرّية التي نعرفها اليوم عند “البنّائين الأحرار”، بل كان لهؤلاء نشاطات، يحضرها “علية القوم”، وتلقى فيها الخطابات الرنّانة.
ينطبق الأمر على محفل مرجعيون، الذي كان يشار له بالبنان، ليتقلّص نشاطه مع الظروف التي عصفت بالجنوب، ليبقى ذلك المركز متوارياً خلف أشجار الصنوبر، مسكوناً من قبل عائلة ربما لا تعرف شيئاً عن أشهر منظمة عالمية مسيّجة بالأسرار والشائعات.
في أيار 1861، كانت بداية الماسونية في بيروت، تحت عنوان (محفل فلسطين الرقم 415)، التابع للمحفل الأكبر الاسكتلندي والذي انتمى إليه الكثير من الأشخاص في بلاد الشام والعديد من السياسيين والعلماء والأدباء.
انتشرت “الأرملة” بشكل واسع في لبنان في أوائل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من مرجعيون وصور وصيدا جنوبًا، إلى طرابلس شمالًا وزحلة وبعقلين وضهور الشوير جبلًا دون أن ننسى بعلبك وغيرها الكثير من المناطق.
محافل صيدا
مراجع كثيرة تؤكد ان الشيخ الصيداوي يوسف الأسير (1815 ـ 1889)، كان من الماسونيين البارزين، وقد تولى فتوى عكا ثم مدعي عام جبل لبنان. ليس في الأمر أي استهجان، حيث كان جمال الدين الافغاني، ماسونيًا، والامام محمد عبده، وكذلك الشيخ عبد القادر الجزائري، والشيخ سليمان ضاهر، والشيخ أحمد رضا.
في العقار الذي استأجره البكباشي ذكي بك طالب، كانت تعقد الاجتماعات الماسونية في مدينة صيدا، ومعظمها تتمّ بعد العِشاء، كون أكثر المنضوين في هذا المحفل من أصحاب الأعمال والسياسة، فيتفرغون لشؤونهم الخاصة نهاراً، على أن تكون اجتماعاتهم ليليّة، بحضور مندوب المحفل الأعظم، البكباشي طالب.
في العقار الذي استأجره البكباشي ذكي بك طالب، كانت تعقد الاجتماعات الماسونية في مدينة صيدا، ومعظمها تتمّ بعد العِشاء، كون أكثر المنضوين في هذا المحفل من أصحاب الأعمال والسياسة
وبحسب شاهد عيان، فإن ذلك المقرّ لم يحمل الرموز الماسونية الشهيرة من ضمن شكله الخارجي، فلا أعمدة هناك، ولا كتابات عبرانية، بل بضع جماجم كانت توضع على الطاولات، إلى جانب أوعية الفاكهة الفاخرة التي كانت تُحضّر طازجة في جلسات التكريس على وجه الخصوص.
ربما لضيق المكان وكثرة المنضوين، جرى الانتقال من هذا العقار (المؤلف من ثلاث غرف ودار وتوابعها) إلى مكان أرحب، يقع في الطابق الأول من مبنى سينما “شهرزاد”، لترفَع على واجهته المطلّة على الشارع العام، لافتة تحمل شعار المحفل، وبقيَت في مكانها حتى مطلع العام 1975، بالتزامن مع بداية الحرب اللبنانية. “محفل الشرق” كان اسم ذلك المحفل الذي ضمّ نخبًا من المتحدّرين من أصول لبنانية، وبعضهم من مدينة صيدا ومحيطها، وأكثرهم شخصيات معروفة، ولم يكن الأمر تهمةً، كما هو الحال اليوم.
المحفل الثاني في صيدا، كان في مبنى وجيه أبو ظهر، في الطابق الثاني، وفيه كانت تقام مراسم التكريس، كما التداول في شؤون صيدا والأحوال العامة والخاصة.
أما سينما “أمبير” فكانت محفلاً يحمل إسم “صيدون” أو “الأميركان 2″، وكان تابعًا للماسونية الأميركية كما يذكر المؤرّخ طالب قره أحمد، ويضيف “لهذا سمّي الشارع الواقع فيه بشارع المحفل. بتاريخ 27 آذار من العام 1922، أقام الحزب الديموقراطي (الأميركي) في صيدا، حفلاً زاهراً، تتالت فيه الخطابات، من الدكتور انتيموس إلى الدكتور حسن الأسير والدكتور شريف عسيران وبولس الخوري وخليل الخوري وأسعد عفيش، وكذلك قصيدة لإبراهيم المنذر.
حضر الحفل ما لا يقل عن 600 شخصية بين رجال ونساء. بعدها أحيت الماسونية مناسبات عدّة، بينها ما دعا إليه محفل صيدون في العام 1949، لإحياء ذكرى الدكتور يوسف بك عبد الصمد. وقد استهل الاحتفال بآيات من القرآن الكريم، تلاها المقرئ الشيخ محمد الصاوي السوسي. ثم كانت كلمة يوسف الحاج باسم المحفل الأكبر الوطني السوري اللبناني، وتلاه رئيس المحفل الأكبر حسين بك اللاظ والشيخ ابراهيم المنذر والأمير علي الشهابي والشاعر حليم دمّوس، ثم الاستاذ شفيق نقاش، واستتبعه الدكتور نزيه البزري، فالأستاذ حسيب بك الأسعد “رئيس محفل صيدون”.
من نافل القول الاشارة إلى رئيس الوزراء سامي الصلح، الذي كان من كبار الماسونيين، وهو المتحدّر من عائلة صيداوية عريقة، كما هو حال رشيد الصلح، الذي تولّى كذلك رئاسة مجلس الوزراء اللبناني لمرات عدّة، وهو من الماسونيين الذين بلغوا أعلى الدرجات.
كان رئيس الوزراء الأسبق سامي الصلح، من كبار الماسونيين، وهو المتحدّر من عائلة صيداوية عريقة، كما هو حال رشيد الصلح، الذي تولّى كذلك رئاسة مجلس الوزراء اللبناني لمرات عدّة، وهو من الماسونيين الذين بلغوا أعلى الدرجات
ماسونيّو النبطية
في مطلع القرن الماضي، انضمّ إلى صفوف الماسونية رجال دين كبار عدة، من مدينة النبطية وقراها وكان لهم محفلهم. أما من الشخصيات المدنية فكان هناك: ر. المقدّم، م. جابر، أ. الصباغ، وآخرون كثر.
احدى الشخصيات النبطانية التي كان لها نشاط ماسوني خارج لبنان، وتحديدًا في إحدى البلدان المنضوية إلى المعسكر الاشتراكي آنذاك. قال لـ “مناطق نت” إن الماسونية كانت ممنوعة ومرذولة في ذلك البلد، لكنهم كانوا يجتمعون بأعداد قليلة، ضمن إطار ضيّق، على أن تكون النقاشات ذات بعد نقدي وإصلاحي، فيتم إعداد تقرير، يتخلّله كل ملاحظاتنا، وكانت ترسل إلى الحزب الشيوعي هناك عن طريق وسيط. يضيف: “بصراحة كانوا يعلمون بتحركاتنا، وغضّوا الطرف كوننا لم نكن نحمل أجندات تخريبية أو ما شابه. بعد تخرّجي من إحدى جامعات ذلك البلد، عدت إلى لبنان، وفتحت مركزاً في تخصّصي، ولم أبنِ أيّة روابط مع الماسونيين في النبطية، وكنتُ ولا زلت أعرف الكثيرين منهم، وبعضهم صار رئيسًا للبلدية ذات يوم، ومنهم شخصيات اقتصادية، واغترابية”.
محفل المرج
“المرج” هو الاسم الذي يحمله المحفل الماسوني في مرجعيون، وينتهج الطريقة الأميركية، على غرار محافل أخرى في لبنان، مثل محفل “فخر الدين”، ومركزه بيروت، ورئيسه سامي الحداد، محفل “البردوني”، ومركزه زحلة، برئاسة جورج صليبا، محفل “تربل” ومركزه طرابلس، ورئيسه ميشيل ديبي.
لمحفل مرجعيون أهمية كبرى، لتضافر مصادفات عدّة، منها تنوّع الشخصيات وأبرزهم نجيب بكار، كما التنوع الطائفي هناك، والبعد الاستراتيجي لمرجعيون كنقطة مهمة بين لبنان وفلسطين، وليست بعيدة عن سوريا والأردن، بالاضافة إلى الهجرات المبكرة من تلك المنطقة إلى القارّات كافة، تحديدًا أميركا وأوروبا وأستراليا.
في محفل “المرج” تم تكريس الكثير من المنضوين الجدد، والنقاشات كانت اجتماعية وسياسية، بعضها كان مؤثرا في الانتخابات النيابية والبلدية. نحن نتحدث عن مرحلة ما قبل 1975، حيث كان المحفل رسميّا، وعلى الأرجح مصرّحا به من قبل الدولة اللبنانية. يُذكر أن ذلك البيت القرميدي قد تعرّض للقصف خلال حرب تموز 2006.
صور وحيرام أبي
من المعروف أن لمدينة صور مكانتها العظيمة في الأدبيات الماسونية، كونها قد أنجبت “حيرام أبي” المهندس الذي كُلّف بناء هيكل سليمان في فلسطين، حسب المعتقدات الماسونية. لذلك سوف نجد عمودين في أغلب المحافل الماسونية في العالم، كرمز لهيكل سليمان الذي يسعون لإعادة بنائه. يُقال إن حيرام أبي قد مات اغتيالاً، ولذلك سُمّيت الماسونية بالأرملة.
منذ الأربعينيات، رُصدت أنشطة كثيرة للماسونيين في مدينة صور، وكان هناك محفل معروف، وأسماء من النخب الاقتصادية، والعائلات الاقطاعية والوجهاء، بعضهم مذكور بالاسم في كتاب “تاريخ صور الاجتماعي” لحسن دياب، و”تطور مدينة صور” للدكتور حسن قبيسي.
منذ الأربعينيات، رُصدت أنشطة كثيرة للماسونيين في مدينة صور، وكان هناك محفل معروف، وأسماء من النخب الاقتصادية، والعائلات الاقطاعية والوجهاء، بعضهم مذكور بالاسم في كتاب “تاريخ صور الاجتماعي” لحسن دياب، و”تطور مدينة صور” للدكتور حسن قبيسي
يبدو أن الحملة الاعلامية الواسعة التي ربطت الماسونية بالصهيونية، أجبرت الماسونيين الصوريين على الإحجام لناحية الظهور والإشهار، مفضّلين التواري على أن يقتصر الجزء المعلن من أنشطتهم على ناديي “الروتاري” و”الليونز”، وكلاهما ينظّم أنشطته بالتعاون مع بلدية صور. وعلى سبيل المثال ثمّة لافتات تشير إلى الأماكن والمعالم الرسمية، والسياحية في صور، مذيلة باسم “الروتاري”، كما هو الحال في صيدا مع دعم “الروتاري”، لإضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية.
اليوم، نستطيع الجزم أن النسبة الأكبر من ماسونيّي صور، هم من دول الاغتراب، وتحديدًا الاغتراب الافريقي.
وفي هذا الإطار التقت “مناطق نت” شخصية ماسونية من إحدى قرى قضاء صور، كان لها تقاطعات في فنزويلا مع الماسونيين هناك، وأيضًا من خلال مزاملتها مع شخصيات صورية عديدة، حيث قالت إن غالبية تلك الشخصيات لم تصل إلى المرتبة السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، أي انهم لم يبلغوا مرحلة المعرفة التي يحققها من وصل إلى الدرجة 33، حيث السرّ الأعظم.
“في فنزويلا، الماسونية هي وسيلة تشبيك علاقات، بهدف تحسين الأعمال وبناء الثروات، بالاضافة إلى ما يشكله الغموض من عناصر سحر وتشويق يحتاجها رجل الأعمال” يقول ذلك المغترب، ويضيف: “حين نطلّ على قرانا في صور ومنطقتها، لا نحمل ماسونيتنا معنا، فالماسوني لا يستطيع دخول أي محفل خبط عشواء، لذلك نحن مكتفون بمحافلنا هناك، بعيدًا عن “وجعة الراس” هنا”.
بالطبع هناك ماسونيون في باقي أقضية الجنوب، في جزّين على وجه التحديد، وكذلك بنت جبيل وعمقها الاغترابي وحاصبيا. أسماء كثيرة، متوغلة في شتى المراكز الرسمية وغير الرسمية، ولها تأثيرات اقتصادية ونفوذ لا يخفى على أهل المناطق. لكننا في الوقت ذاته لا نبتغي من هذه الاطلالة، بأن نفخّم ونعظّم الماسونية، وننسب لها أفعالاً وأدوارًا ليست من صنعها. هو استعراض عيّنات نهدف من خلالها إطلاع قرّاء موقعنا على بعض ما يجري في العلن، وبعض ما يحصل في الخفاء.
مناطق – عبد الحليم خمود