عاشق الورد ” أبو حسين الخيامي ” يحول مكبات النفايات العشوائية الى مساحات لزراعة الورود في كفررمان
«وردة مكان النفايات». شعار رفعه عليّ الخيامي الطامح إلى تحويل طرقات بلدته كفرّرمان إلى حديقة ورد، ضاق ذرعاً من روائح النفايات ومكبّاتها التي لا تنتهي. تتفاقم الأزمة يوماً بعد آخر، خصوصاً مع دخول البلديات في زمن التمديد. لم يتردّد أبو حسين لحظة واحدة في تنفيذ مشروعه «وردة الحياة»، قرّر أنْ يرسم صورة مغايرة لمشهد القمامة التي باتت تُهدّد حياة الناس بالسرطان، فأعداد الإصابات ترتفع كثيراً. من مشتل صغير، راح يزرع الساحة تلو الأخرى. حقّق في أقلّ من عام ما عجزت عنه البلدية، مثبتاً أن الإرادة تصنع المستحيل.
هو عاشق الورود. أسم يلاحقه أينما حلّ. إجترح حلّاً لأزمة متجذّرة، أراد أن يقدم مشروعاً نموذجيّاً حضاريّاً جذّاباً. أتى بفكرته من الخارج، وقرر تنفيذها في بلدته.
عادة ما يتم وضع العِصيّ في دواليب المشاريع الحيوية لاعتبارات عدّة، منها بسبب شحّ الأموال أو لصعوبة التنفيذ، غير أن لخيامي رؤية أخرى وهي أنّ «صناعة القرار تولّد التغيير»، يرى أنه «يزرع الأمل»، قائلاً إنّ «الأزهار تجذب الناس إليها، عكس النفايات التي تخلق الأمراض».
خلف ابتسامته الخجولة، قصة إنسان ذاق شظف الحياة وقرّر تغييرها بعبق الأزهار، أمضى سنوات طويلة خارج بلدته، إلى أن قرّر الاستثمار في الورود. ما يرغب في تحقيقه أن تصبح الطرقات كلّها ورود تضج بالحياة. ساهم في تنشيط «مطاعم الشارع». يختار زيدون كوخاً قريباً من إحدى تلك الحدائق. يقدّم العديد من الوجبات السريعة. يقرّ أن المهنة باتت رائجة نسبيّاً، تُشكّل فرصة عمل جيدة اليوم. إتخذ من «عين المعاقيل» مركزاً لمطعمه، وضع طاولات صغيرة تناسب المكان، لافتاً إلى أن «الطبيعة تجذب عشاق السّجق».
لم يتعب أو يكلّ، حتى نجح في زرع 30 ألف وردة، زيّنت مساحات واسعة من البلدة بالأزهار، وأعاد إحياء نبع «عين أم معاقيل» الذي كان في طيّ النسيان. بات النبع الأثري يضج يالحياة بعد تحوّله إلى حديقة ورد، حلّت مكان مكب النفايات. وأصبحت المنطقة مشرّعة على الإستثمار الإقتصادي. على مقربة منها وضع زيدون علي أحمد «كيوسك مطعم الشارع»، يستقطب الروّاد الذين يفضّلون الجلوس في الحديقة وتناول «سندويش سجق ولبن». يؤكّد أن «الورد يعزّز حركة السياحة، فالناس تعشق الجمال لا القمامة».
في وقت تجتاح النفايات الطرقات، وتؤرق حياة الناس، وتزيد من نسبة اجتياح البعوض والحشرات والذباب إلى المنازل، كان أبو حسين يرسم خريطة سياحية جديدة بالأزهار هذه المرة، مشدّداً على أن مشروعه غير مكلف، وأنه لم يطلب عون أحد، بل أتى ببذار الورد من لندن، وزرعها في مشتل خاص به وبدأ بعملية زرع الأحواض والأرصفة، ويؤمّن لها عملية الري المطلوبة، لأنه كما يقول «حرام ان تبقى الطرقات مكبات».
لم تنجح بلديات المنطقة بمعظمها في تحقيق انجاز تنموي لافت، بقيت غارقة في آتون حرب النفايات التي لم تشهد أي انفراجة. ما زالت الحلول معلّقة في دهاليز الأحزاب، ما شجع تجارة النفايات. بعض البلديات حقق ملايين الدولارات بسببها، ولو على حساب بلديات أخرى.
يعمل أبو حسين على تعزيز المساحات الخضراء التي تضج في الحياة، ويؤكد أنه ماض في زرع مزيد من المساحات، ويأمل أن يصبح ما يقوم به عدوى إيجابية، لتحوّل الأحياء إلى حدائق ورد. فهو من دعاة «إزرع وردة مكان كلّ مكب»، وبرأيه أن هذا الأمر يعزّز ثقافة الفرز من المصدر التي تحلّ 70% من أزمة النفايات، العائمة، وتدر أموالاً إلى خزينة البلديات والأهالي.
نداء الوطن – رمال جوني