لبنانيات

أسماك القرش “تسرح وتمرح” في المياه اللبنانية… هل من داعٍ للخوف؟

تعود ظاهرة #أسماك القرش في #البحر الأبيض المتوسط الى آلاف السنين، ووجودها فيه سببه أساساً المياه الدافئة التي تتميّز بها المنطقة. لكن ظهورها في الآونة الأخيرة أثار “بلبلة” وخوفاً، خصوصاً بعد انتشار فيديو يظهر حادثة التهام سمكة قرش سائحاً روسيّاً في مصر، فضلاً عن فيديوهات تظهر فيها أسماك قرش في المياه اللبنانية. لكن هذه الحيوانات المفترسة ضرورية لتأمين توازن النظام البيئي البحري الحيوي عبر بقائها وبقاء فريستها على حدّ سواء. لذلك، يُصبح التخوّف منها مفهوماً خاطئاً، وقد بُني على قصص “فولكلورية” لا صحّة لها فيما الواقع بعيد عن هذه الصورة الدراماتيكيّة.
لذا، مع انطلاق موسم الصيف، من المهّم عدم الخوف أو تشويه صورة التنوّع البيولوجي التي تتمتع بها بحارنا.
 
 
أهمية أسماك القرش في مياهنا
يحتضن البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من 39 نوعاً من أسماك القرش، من ضمنها القرش الأبيض، الذي يُعتبر من الفصائل الخطرة، فضلاً عن الحوت والدلفين وغيرها.
ووفقاً لتقرير حالة البيئة في لبنان، فإن المياه اللبنانية تضمّ أكثر من 367 نوعاً من الأسماك بحسب دراسة أجراها كلّ من العلماء زياد سماحة وميرا الحسيني وميشال باريش.
يتميّز الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط بمياه دافئة، وبنسبة ملوحة عالية. أما في الجهة الغربية، فيتمتّع الحوض بمياه أكثر برودة، مع نسبة ملوحة أقلّ بسبب الاختلاط بالمياه الأطلسيّة عبر مضيق جبل طارق. تالياً، فإنّ هذه المنطقة تفتقر إلى أسماك قرش عدّة، وتستقبل الأنواع القادرة على تحمّل الظروف. لكنّه لا يمكننا غضّ النظر عن تأثير التغيّر المناخيّ ومساهمته في تغيير ظروف العيش وبيئة هذه الأسماك.
في هذا السياق، يشرح الدكتور والعالم في جامعة البلمند منال نادر في حديث لـ”النهار” عن أهمية أسماك القرش في مياهنا، ويقول، إنّ “وجود هذه الكائنات لا يعني قتلها، فهي تتنقل في المياه حيث لا حدود للبحر. ومنذ تاريخنا، لم يُسجل لبنان حالة وفاة أو حادثة قتل جراء أسماك القرش”، لافتاً إلى أنّ “قلائل هم من يعلمون بوجودها، وذلك على غرار عدم وقوع حوادث معها، كما لا نعلم مدى قربها من الشاطئ. لكنها في أغلب الأحيان تكون بعيدة عن سطح المياه، لأنها بحاجة إلى عمق في البحر كي تتمكن من التهام فريستها. وبالموازاة قد يُعثر على بعض الأنواع على سطح المياه”.
وفي سياق دورها المحافظ على التنوع البيئي، لفت منال إلى أنّ “جميع الحيوانات المفترسة، التي من أهمها أسماك القرش، ذات دور جوهري في الحفاظ على السلسلة الغذائية الطبيعية. مثلاً، إذا أخرجناها من بيئتها، تتكاثر أسماك التونا التي تُعتبر طعاماً أساسياً لها، مما يؤثر على الأسماك الأخرى التي غالباً ما يتم اصطيادها، ممّا يسبّب خللاً في التوازن البيئي”.
أسباب الهجوم
وعن أسباب هجوم أسماك القرش، يشرح نادر بأنّ هذا التصرّف نابع من عدّة عوامل، أبرزها القطاع السياحي الذي يتعدّى على بيئة هذه الكائنات البحرية ويساهم بجذبها لإرضاء السيّاح. تالياً، حين يتمّ إطعامها بطريقة مستمرّة ستَعتبر كلّ ما يُرمى في المياه طعاماً وفريسة لها.
وأشار نادر إلى أنّ “الخوف من هذه الكائنات انبثق من الأفلام والقطاع السينمائيّ الذي يرّوج بشكل مبالغ فيه لهذه الحيوانات البحرية، مثل فيلم “jaws” وغيره. تالياً، فإنّ الصورة النمطية ليست مبنية على أسس علميّة بل على أمور ترويجيّة، ونادراً ما تقع حوادث هجوم أسماك القرش، خصوصاً في منطقتنا”.
من جهتها، ترى عالمة الأحياء في جمعية “diaries of an ocean” روان الجمال أنّ معظم أسماك القرش هي من تخاف البشر وليس العكس. لكن الاحتكاك بدأ يتكاثر مع النشاطات المائية التي يوفرها القطاع السياحيّ والتعدّي على بيئتها، ممّا جعلها تغيّر سلوكها، في حين أنّ هذا النشاط غير موجود في لبنان. وهذا كان من أبرز الأسباب التي أنتجت حادثة الغردقة في مصر، والتي ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت الجمال أنّ “الجوع هو من الأسباب الإضافية التي تجعل سمكة القرش تهاجم الإنسان، إذ تشبّه البشر بفريستها بقرة البحر، فضلاً عن الأصوات التي تصدر عن راكبي الأمواج، وقد تشبّهها بسمكة تكافح. كذلك تلتهم إذا طاردت فريستها فوجدت إنساناً يعترض طريق طعامها، فضلاً عن هجومها في حال تمّ استفزازها بأي هجوم أو اتصال جسديّ، أو حتى بأيّ شكل من أشكال المضايقة. ومن الأمور التي تجعل سمكة القرش تقترب من الساحل رمي جثث أسماك من قبل صيادين في المياه”.
هل تقترب أسماك القرش من الساحل بسبب التغيّر المناخي؟
في هذا السياق، تشرح الجمال أنّه “بحسب إدارة مصايد الأسماك الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإنّ دراسات تأثير تغير المناخ على أسماك القرش وغيرها من الأسماك مسألة جوهرية لفهم التحوّلات البيئة البحرية، إذ إنّ التغيّر المناخي مترافقاً مع ارتفاع في درجات حرارة المياه في البحر، فضلاً عن ارتفاع الأسيد ومستوى سطح البحر، يُبدّل المعايير السكنية وأعداد الأسماك في البحر. وقد يكون من أبرز التغيّرات على الكائنات البحرية هي التحوّلات في توزيع أعداد الأسماك، فضلاً عن التغيّر في نمط الهجرة، ناهيك بتبدّل الموائل المناسبة”.
ولفتت الجمال إلى أنّ أسماك القرش تُعتبر من الأسماك الأقلّ ضرراً على التغير المناخي، إذ إنها قادرة على التأقلم والتوسع في بيئة جديدة، لكن في المقابل فريستها مثل العوالق الحيوانية قد تتأثر.
 
 
إرشادات للتعامل عند الهجوم
من الممكن أن تهاجم أسماك القرش الغوّاصين (بعد أن ذكرنا الأسباب)، سواء بسبب استفزازها أو لأيّ عامل آخر. لكن نادراً ما تحصل حوادث من هذا النوع، إذ لا يُعتبر لحم البشر من ضمن النظام الغذائيّ لسمكة القرش. لكن بالرغم من ذلك فإنّ الغوص مع أسماك القرش قد يُعتبر نشاطاً خطيراً، ومن المهّم توخّي الحذر خلال السباحة. فإذا صادفت سمكة قرش، فأفضل الإرشادات للتصرف هي:
-التزام الهدوء وعدم التحرّك سريعاً.
-الحفاظ على التواصل البصريّ معها أثناء الغوص.
-الضرب على الأنف فقط على نوع “قرش النمر” حيث يمكنك وضع يدك فوق رأسها والضغط عليه برفق، إلا أنّ هذا النوع غير موجود في المياه اللبنانية.
-إذا كان سلوك سمكة القرش خطيراً فيُنصح بالتراجع إلى الخلف مع إبقاء اليد قريبة من الجسم.
– حمل أيّ جسم كبير ووضعه أمام سمكة القرش لردعها، مثل عصا GoPro أو آلة التصوير.
كذلك أشارت الجمال إلى أنّ أسماك القرش لا تشكّل تهديداً بشرياً، لكن من المهّم الانتباه واتباع بعض النصائح لتجنب هجماتها:
– فهم بيئة القرش، خصوصاً عند السباحة في نطاق تواجد فريستها.
– تجنّب الغوص عند الفجر أو الغسق، إذ يتغذّى العديد من أسماك القرش في هذا التوقيت.
-غالباً ما تكون أسماك القرش خجولة وتبتعد عن الغواصين، لكنها تُظهر تصرفاً عدوانياً إذا كانت تبحث عن الطعام.
– تجنب المياه العكرة، فالغوص في المياه مع ضعف الرؤية يصعّب مهام الرصد.
– من المهّم الدخول والخروج من المياه بهدوء. وفي نهاية الغوص، يجب تجنّب قضاء وقت غير ضروريّ على سطح المياه.
– عدم اتّباع أسماك القرش وعدم الاقتراب منها من الخلف.
– تجنّب ارتداء موادّ لامعة، إذ تنجذب أسمال القرش إلى الأشياء اللامعة.
تالياً، مع بداية موسم الصيف من المهّم حصول الناس على التوعية في ما خصّ هذه الظاهرة. وبحسب روان الجمال “على الدولة أن تؤدّي دوراً بارزاً في زيادة الوعي على أهمية أسماك القرش في الحياة البحرية والنظم البيئية، ممّا قد يقلّل من العدوانيّة تجاهها، فنتعلّم كيفيّة التعايش بأمان في البيئة البحرية”.
النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى