إقتصاد

ظاهرة منتشرة في لبنان تُقدّم أرباحاً بـ”الدولار”

قد يتساءلُ كثيرون في لبنان عن كل مصادر “الدولارات” التي تدخلُ إلى البلاد من الخارج، فالبعضُ يقول إن سيولة “العملة الخضراء” تأتي من المغتربين والسياح، فيما يقولُ البعض الآخر إنَّ هناك سيولة تأتي من المنظمات الدولية أو الجهات المانحة عبر البنك المركزي والمصارف. حقاً، هذا ما يحصل، فالأمرُ واقعي ولا نقاش فيه، لكن هناك مصدراً آخر لدولارات طائلة تدخلُ لبنان، ويتمثلُ بـ”تداول العملات”.. فكيف يحصل ذلك في بلدٍ يعاني من أزمة إقتصادية وماليّة منذ 4 سنوات؟ ماذا يعني “التداول” في لبنان وماذا الذي يقدّمه للمنخرطين فيها؟  

خلال السنوات الـ4 الماضية وتحديداً بعد بدء أزمة الدولار، تنامت ظاهرة التداول، وفي الكثير من الأماكن، بتنا نرى أشخاصاً يحدّقون بتطبيقات ترصدُ أسعار العملات وتقلباتها، في وقتٍ بات الحديثُ عن كسب “الأموال الطازجة” من تلك العمليّة، الشغل الشاغل للكثيرين. واقعياً، فإنّ ما يحصل يُعتبر مشهداً جديداً في أوساط اللبنانيين الذين اختاروا سُبُلاً جديدة لتحصيل الدولارات من أجل العيش في بلدٍ “مُدولر”، وبدلاً من العمل “عند الناس” من أجل تقاضي رواتب زهيدة، قرّر البعض اللجوء إلى “العمل الحر” في مجال التداول.. “إستثمار، فتداولٌ فأرباح صافية”.. هذه هي القاعدة التي يحملها الكثيرون في أذهانهم في وقتٍ يظنّ البعض فيه أن الأمر بغاية السهولة ولا يحتاجُ إلى الكثير من المهارات.. ولكن هذا هذا الأمر صحيح؟

“التداول بالفوركس”.. ماذا يعني؟

عملياً، فإنّ ما انخرط به الكثيرون يُسمى “التداول بالفوركس”، والعبارة الأخيرة (أي فوركس) تمثل أكبر سوق ماليّ في العالم توفّر سيولة يصلُ حجمها يومياً إلى 7.5 مليار دولار. بكل بساطة، فإنّ التداول في “الفوركس” يحصل من خلال تضارب عملةٍ مقابل عملة أخرى، في حين أن الربح يأتي بفارق السعر بين هاتين العملتين. كذلك، تشير الأرقام إلى أنّ النساء يشكلن 20% تقريباً من المتداولين في العالم، أما في أميركا، فإنّ نسبة النساء المنخرطات في التداول تصل إلى 8% فيما يشكل الرجال 92% من المتداولين، بحسب ما ذكر موقع “zippia” الإلكتروني.
في حديثٍ عبر “لبنان24“، تقول الشّابة اللبنانية شروق شحوري (23 عاماً)، وهي مُتابعة ومتخصصة في مجال “التداول المالي” إنّ “التداول بالفوركس بموجود في لبنان منذ زمن، لكن الطفرة الكبرى حصلت عقب بدء الأزمة المالية عام 2019″، وتقول: “بات المواطنون بحاجة إلى الدولار، وراحوا يرون أن الفوركس يمنحهم الأموال الطازجة. في الكثير من الدول، يتفرغ الكثيرون للعمل في مجال التداول المالي، ويعتمدون على التداول للعيش والإستمرار”.

معلومات يجب معرفتها عن “التداول”  
خلالَ كلامها، تُقدّم شحوري سلسلةً من المعلومات الأساسيَّة التي يجب على كل شخصٍ معرفتها قبل الإنخراط بـ”التداول المالي”، وهي على النحو التالي:
1- لا شيء مضمونا في التداول، فأي عملٍ يمكن أن يتعرض للخسائر.
2- في حال أراد الشخص العمل في مجال “الفوريكس” والتداول، يجب عليه تعلّم الأساسيات من خلال أشخاص متخصصين ومعروفين ولديهم تاريخٌ واضح في المجال، إلى جانب إستراتيجية أثبتت فعاليتها في تحقيق الأرباح.

3- إن تعلُّم أساسيات “التداول المالي” هو النقطة الأساسية، ويمكن لأي شخص الإندماج مع أكاديميات متخصصة في تقديم تلك الأسس ومن ثمّ العمل من خلالها في مجال التداول و “الفوريكس”، وبالتالي تحقيق الأرباح.
4- التعلّم والعمل بشكل منفرد هو أمرٌ غير مُحبذ، والسبب هو أنّ الخسارة ستكون واردة بشكل كبير، كما أنه لا إستراتيجية ستكون واضحة للمُتداول.. فلماذا المخاطرة؟
5- دمجُ الأموال في سوق “التداول” يكون من خلال إيداعها لدى جهةٍ تُسمى “بروكر”، أو “مكتب البورصة“. وإثر ذلك، يجري إدخال المبالغ المودعة في السوق المالية، وحينما يتم جني الأرباح تقوم تلك المكاتب بتحويلها إلى أصحابها.
6- هناك أشخاص يقولون إنه من السهل إعطاء آخرين الأموال من أجل إستثمارها في السوق المالي وتقاضي نسبة الأرباح. هذا الأمر ليس صحيحاً أبداً لأنه سيؤدي إلى الخسائر.
7- يجب الإبتعاد كلياً عن العمل في سوق “التداول” عبر “الروبوتات”. عملياً، هناك شركات تتيح “روبوتاً” يمكن أن يؤدي مهام التداول عن الشخص الحقيقي، لكن هذا الأمر خطيرٍ لأنه في أي لحظة يمكن أن يُصاب الروبوت بـ”عطل”، وبالتالي حصول الخسائر الكبيرة.
8- الطريقة المثلى للإستثمار هي التعلم واكتساب الخبرة الكافية، وهنا يمكن التحدث عن أرباح جيدة، وطبعاً الخسائر واردة ولكنها قد تكون طفيفة مقابل الربح.
تقول شحوري إنّ “السوق المالي ليست إنساناً، فهي تتخطى الجميع ويجب العمل فيها بناء للأسس العلمية”، وأضافت: “أنا من الأشخاص الذين كنت أعتقد أن سوق التداول قد تسرق أموالي، لكن عندما دخلت في مجالها وجدت أنها مبنية على التحليل الفني والأساسي، ولا شيء إسمه حظ. أما حينما يتم الحديث عن ربح وخسارة في الأموال، عندها يُصبح الأمر مقامرة وسوق التداول ليسَت كذلك”.

حالياً، تجني شحوري من “التداول بالفوركس” نحو 2000 دولار شهرياً وهي تصرّح بذلك علناً عبر صفحتها الخاصة على موقع “فيسبوك” والتي تعتمدها كمنبرٍ لها لإطلاع الناس على مجال العمل في البورصة. قبل كل ذلك، كان راتب شحوري يبلغ 30 دولاراً وسط الأزمة الراهنة، لكن إنخراطها “العلمي” في مجال التداول الماليّ نقلها من مكانٍ إلى آخر. على هذا الأساس، تقول شحوري إنّ “أفضل إستثمار هو الإستثمار في الذات”، داعية أي مُتداول في السوق المالي إلى وضع أمواله لدى مكاتب موثوق منها تماماً، وتقول: “هناك بروكرز لديهم ترخيص قانوني، وفي لبنان الناس يخافون وضع أموالهم لدى مكاتب موجودة هنا، ولهذا يبادرُون إلى التعامل مع مكاتب خارجية. بشكل عام، يمكن وضع الأموال عبر المصرف أو نقداً لدى مكتب البورصة، ويمكن أيضاً إيداع النقود عبر عملة تسمى USDT، وهي عملة رقمية مقابل الدولار. فعلى سبيل المثال، إذ أردت إستثمار 100 دولار، يمكنك تحويلها إلى 100 USDT ومن ثم إرسال هذا الرصيد إلى مكتب البورصة، وبعدها يقوم الأخير بفتح حساب لك بقيمة 100 دولار “فريش”، وإثر ذلك يتم دمج الأموال في سوق التداول التي تعمل من الإثنين إلى الجمعة”.
تلفت شحوري أيضاً إلى أنّ “التداول المالي” عبارة عن “فُرص”، وتقول: “من الممكن أن تتوافر الكثير من الفرص اليوم، ولكن يوم غدٍ قد لا تكون هناك أي فرصة. هناك أخبار وأحداث تؤدي إلى تخبط السوق، والنصيحة هنا هي عدم الإنجرار وراء تلك الأخبار التي قد تأتي مخالفة للتحليلات التي يضعها المتخصصون. أفضل خطوة يجب القيامُ بها لتجنب الخسائر هو إنتظار السوق كي يستعيد هدوءه ومن ثمّ الدخول إليه مُجدداً”.
وفقاً لشحوري، فإن ما لا يمكن إغفالهُ أيضاً هو أنّ نسبة الأرباح قد لا تكون كبيرة ويمكن أن تتراوح من 1 إلى 3% كحد أقصى من أصل الرأسمال يومياً، وتختم بالقول: “الربح تراكمي وليس من اليوم الأول ستُصبح من أصحاب الملايين. بالتعلّم والدراسة والدراية والمتابعة، يمكن تحقيق الأرباح شيئاً فشيئاً، والأهم هو عدم الطمع ومعرفة إدارة الرأسمال”.

“التداول” و “البورصة” من وجهة نظر إقتصاديين
بدورها، تتحدّث الخبيرة في الإقتصاد النقدي ليال منصور لـ”لبنان24” عن” التداول بالفوركس” و”البورصة”، مشيرة إلى أن هناك فرقاً بين المجالين، وتقول: “الفوركس هو تداول يجري على صعيد العملات، وتأتي الأرباح بعد تضارب عملتين مع بعضهما البعض، وعلى سبيل المثال الدولار الأميركي واليورو”.
وتضيف: “أما البورصة، فهي ترتبطُ بشكل أساسي بسوق الأسهم التي لها قيمة سوقية، ومعظم الأرباح في هذا المجال قد لا تكون فورية بعكس التداول بالعملات، إذ يمكن أن يُحصل المتداول أرباحاً فورية في ظل التقلبات والتضارب بين العملات”.
وعن “التداول” في لبنان، أشارت منصور إلى أنه ما زال ضعيفاً، لكنها أشارت إلى أنّه من الممكن أن يشهد نمواً إضافياً في السنوات المقبلة، وقالت: “لا شيء يمنع أي شخصٍ من الإنخراط في تداول العملات، لكن هذا الأمر يحتاج إلى دراية علمية وتدريب وأيضاً يتطلبُ معرفة بسوق العملات، والأفضل أن يكون الإنخراط بمجال التداول عبر جهات معروفة وموثوق بها ولديها باعٌ طويل في المجال، تجنباً للخسارة”.
كذلك، لفتت منصور إلى أنَّ مجال التداول بالعملات و “الفوركس” يرتبطُ بالتحليل الفني بالدرجة الأولى، ولهذا لا يمكن لأي شخصٍ عادي أن ينخرط في التداول من دون وجود قاعدة تحليلية واضحة لديه لمعرفة ما يجري، وقالت: “النصيحة الأولى لضمان أرباح أو ضمان عدم خسارة الإستثمار المالي هو تعلم أساسيات التداول والتعامل مع جهاتٍ مُعرّفة في المجال لديها استراتيجيات وتحليلات معمقة، فهذه الأمور أساسية ولا يمكن إغفالها أبداً”.

لبنان 24 – محمد الجنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى