أخبار النبطية

فوضى سوق التجميل في النبطية : طوابير المشوّهين والمشوّهات

ثلاثة مشاهد متفرّقة تدور في فلكٍ واحد.

المشهد الأوّل: ساعة في إحدى عيادات التجميل. وجوه تظهر على ملامحها الحماسة، تدخل غرفة صغيرة ثم تخرج منتفخة وآثار الحِقَن عليها. زحمة في قاعة الانتظار. نساء كثر، ورجال أكثر!

المشهد الثاني: سيدة في قسم الطوارئ وجهها يكاد يساوي خمسة وجوه مجتمعة من شدّة الورم. فقدت القدرة على النظر والكلام وأُصيبت بشللٍ نصفي نتيجة حقن رديئة من الـ”بوتوكس” والـ”فيلر”.

المشهد الثالث: رسالة “واتساب” عشوائية تصلني من صاحبة مركز تجميل، تعتذر فيها من زبائنها على الإقفال “الظالم” للمركز. هذا المركز هو واحد من 12 مركزاً أغلقته فرق التفتيش التابعة لمديرية العناية الطبية في وزارة الصحة في محافظة النبطية ومنطقة دير الزهراني إثر عدم الإلتزام بالضوابط القانونية الموضوعة لمراكز التجميل.

بعد الانهيار اللبناني الكبير، لم ينهر سوق التجميل في لبنان. نساء ورجال يتداركون التقدّم في العمر بالتكبير والتصغير والشفط والتجميل، حتى ولو لجأ كثيرون وكثيرات منهم إلى قروض من المصارف لإجراء تلك العمليات، كما حصل في فترات سابقة قبل انهيار القطاع المصرفي، أو حتى وإن اقتطعوا مبلغاً ليس ببسيط من مدخولهم المتواضع. فهذا الجمال الاصطناعي يتطلّب مالاً كثيراً، وله سوق كبيرة تمتدّ من الفنانين والفنانات إلى عامة الناس، الراغبين أحياناً بتجميل مظهرهم، أو بنسخ ملامح “هيفاوية” (نسبة لهيفاء وهبي) في أحيانٍ أخرى.

الرجال أكثر إقبالاً على التجميل!
تواصلنا مع مجموعة من أطباء التجميل في محاولة لاستصراحهم حول تأثير الأزمة الاقتصادية في قطاعهم. جميعهم أكّدوا لـ”المدن” أن الإقبال على التجميل ارتفع، كما اشتركوا جميعهم بـ”الاطمئنان” على مستقبل القطاع، لا سيما أن “التجميل لم يعد من الكماليات”، وفق تعبيرهم، وأن القطاع يشهد تطوراً متواصلاً تتابعه شركات الأدوية في لبنان.

تشرح طبيبة الجلد والتجميل رولا صالح لـ”المدن” أن الإقبال على التجميل، حقن الـ”بوتوكس” والـ”فيلر” تحديداً، انخفض في السنة الأولى للأزمة، أي في 2019، إلا أن السوق استرجع نشاطه في السنوات اللاحقة. واللافت وفق صالح، أن الرجال أكثر إقبالاً على التجميل من النساء.

“صحيح أن السوق في نشاطٍ متواصل، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الفئات الاجتماعية التي تقصد مركزنا اختلفت. قبل الأزمة الاقتصادية كان أغلب من يقصدنا من الطبقة الاجتماعية الميسورة، من معلمات وموظفات في مراكز الدولة والمصارف.. تلك الفئة اختفت كلياً من مركزي، يمكنني القول أن زبائني الحاليين هم الأثرياء الجدد Nouveau riche -، جميعهم إما أصحاب مولدات كهربائية وزوجاتهم، أو يعملون في التجارة الحرّة أو يعتمدون على حوالات خارجية من أولادهم مثلاً..”، تُضيف صالح مُشيرةً إلى أنها تستعد لموسم عملٍ “حافل” مع قدوم المغتربين هذا الصيف.

“دكاكين التجميل”
بجولةٍ سريعة على لوائح الأسعار لدى أبرز مراكز التجميل في لبنان، يتبيّن أن سعر حقنة الـ”بوتوكس” يتراوح بين 150 و250 دولار، فيما يصل سعر حقنة الـ”فيلر” إلى 400 دولار. وطبعاً تلك المراكز تتقاضى المبلغ بالدولار حصراً، وهذا يعود إلى أن المواد الطبية المخصصة للتجميل غير مدعومة من المصرف المركزي، كما هي حال بقية الأدوية والمعدات الطبية. فمن أصل واردات طبية تجميلية تصل إلى 18 مليون دولار، يدعم المصرف المركزي القطاع بمليون دولار فقط، وفق بيانات نقابة الصيادلة. إذ إن الـ”بوتوكس” غير مدعوم أبداً ويتم استيراده وفقاً لسعر السوق السوداء، علماً أن بعض أنواع الـ”بوتوكس” التي تُستخدم للأمراض العصبية كانت مدعومة بفترةٍ سابقة.

غلاء الجمال الاصطناعي يدفع بعض الراغبين/ الراغبات فيه للجوء إلى “دكاكين التجميل”، وفق تسمية صالح. إذ تلجأ بعض مراكز التجميل، التي قد تكون في كثير من الأحيان محلات حلاقة وتصفيف شعر أو عيادات غير مرخّصة، إلى استخدام منتجات كورية أو صينية، وهي رخيصة نسبياً. “الكل يرغب بالتجميل”، أجمع أغلب من سألناهم من أطباء ومتخصصين في التجميل على تلك العبارة، مشيرين إلى أن الميسورين مادياً يقصدون المراكز التي تستخدم منتجات معتمدة بمعايير عالمية، فيما تجذب “دكاكين التجميل” أبناء الطبقات الاجتماعية المحدودة.

المفارقة أن “الدكاكين” تلك هي أقرب إلى “مراكز تشويه” منه إلى التجميل. أكّد عدد من الأطباء لـ”المدن” أنهم يعاينون يومياً عشرات الحالات المُشوّهة إثر منتجات رديئة، حتى يكاد عملهم ينحصر في إصلاح التشوهات الناتجة عن الحقن بمواد غير صالحة. والمشكلة أن عوارض تلك المواد خطرة ولا تقف عند التورّم والانتفاخ فقط، وإنما تتعدّى ذلك لتصل إلى التهاب دائم في الجلد أو تشوّه مدى الحياة.

عليه، أنشأ مجموعة من أطباء التجميل لجنة Doctors Front لمواجهة الفساد في قطاع التجميل. تواصلنا مع أحد الأطباء من اللجنة (فضّل عدم ذكر اسمه) فأكّد أن “المتخصصين يسجلون بيانات كل المُشوّهين والمُشوّهات الذين يعاينونهم، ثم يقدّمون شكوى وبلاغ بحق مراكز التجميل التي حقنتهم بمواد رديئة. كما أكّد الطبيب أنهم يتلقون الدعم والتجاوب السريع من وزارة الصحة، ولكن يبدو أن تلك الجهود لم توقف فوضى التجميل بعد.

المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى