في الجنوب : علي وزوجته أصمّان وأبكمان ولكنهما مكافحان … يبيعان الزهورات زالمزنة البيتية من اجل لقمة العيش
يكافح علي هرموش لأجل لقمة عيشه، يقف ساعات طويلة بانتظار زبون لبيعه زهورات أو مونة بيتية. لا ييأس ولا يعترض، أحياناً لا يبيع شيئاً وأحياناً يكون البيع يسيراً، ما يفرحه أنّه سيعود مساء بشيء ما لأولاده. علي يبيع وزوجته على عربتهما الخشبية، وهما أبكمان وأصمّان، ومع ذلك لم يستسلما، بل قرّرا مواجهة الحياة بكلّ ظروفها لأجل طفليهما.
لم تقف الاعاقة يوماً أمام علي، إخترع وسيلة خاصة به وبزوجته، يتواصل بها مع زبائنه. لم يقف يوماً عند حالات التنمّر التي تعرّض لها بل جعل من كل المطبّات التي واجهته فرصة لمواصلة الكفاح، لم ينتظر من الدولة بطاقة الدعم التمويلية، وقد ذهبت بمعظمها للمدعومين والميسورين، ولن ينتظر بطاقة الشؤون الاجتماعية التي لا تنفع لشيء، فذوو الحاجات الخاصة غير محظيين في لبنان، حتى طبابتهم غير متوفرة، رغم أنّ بطاقتهم تخوّلهم الاستفادة من الاستشفاء المجانيّ.
أمام عربته عند الرصيف على طريق صور البصّ، يقف علي وزوجته، ينتظران الفرج، يكافحان لأجل ولديهما، يرغبان في أن يصبحا طبيبن، يشقيان لتوفير لقمة عيشهما.
بات علي معروفاً في المنطقة، يقصده كثر لشراء بضاعة تعدّها زوجته بمعظمها، لم يرفع أسعاره كما فعل التجّار، يضع هامشاً مقبولاً لربحه، يريد إطعام اولاده “بالحلال”.
يتحدّث علي لغة الاشارة مع زبائنه. لم يكن سهلاً عليه أن يواجه الحياة برمّتها، غير أنّه يقدّم نموذجاً عن ذوي الاحتياجات الخاصة، عن صلابة مواقفهم في مقارعة الظروف. هو على يقين أنّ دولته لن تنصفه يوماً، كما لم تنصف ذوي الاحتياجات ولا حتى الأسوياء، يبيع المونة البيتية ليعيش، يعمل يداً بيد مع زوجته، يشكّلان نموذجاً عن الكفاح في بلد لا يهتم بأبنائه. لن ينتظرا جمعية تشتري مونتهما، فهما يعلمان أنّ الزمن زمن المونة والناس تبحث عن البضاعة المضمونة وليس المزيفة التي تغزو الاسواق. نشط عمله هذه الأيام مع تزايد أعداد الإصابات بالانفلونزا، فالزهورات أرخص من الدواء، لا يتجاوز سعر الكيس منها 150 الف ليرة ويكفي لأشهر، وإلى جانبها يبيع علي المونة على أنواعها، وبات مقصداً لكثيرين.
لا تفارق الابتسامة وجهه، فهي لغة التواصل مع الناس، لا يأبه لحرّ الصيف ولا للبرد، يطمح أن يدخل ولداه مجال الطبّ حين يكبران، يريدهما أن يعالجا الناس مجّاناً بعدما ذاق الويلات من الأطباء وكلفة العلاج المرتفعة.
هو صورة مصغّرة عن اللبناني العنيد، يرفض أن يذلّه أحد، هو نموذج حيّ عن مكافح، يعمل ليعيش، لا ينتظر دعم دولة تخلّت عن مواطنيها منذ زمن.