قضايا المجتمع
“اللّه ما بيعطي أصعب المعارك إلّا لأقوى جنوده”… رسالة من جيسي إلى مرضى سرطان الأطفال
ال#أطفال هم روح الحياة وتلك البسمة البريئة المليئة بالأحلام التي تشتدّ معاناتها ومعاناة أهلها حين يغدرها المرض الخبيث، ولا يبقى أمامها إلا خوض المعركة العسيرة انتصاراً للأمل والحياة.
في فترة الميلاد، بدل انتظار هديّة العيد، ينتظر الأطفال المرضى أعجوبة الشفاء متسلّحين ببراءة وإيمان صادق، تُعبّر عنه جيسي بقولها “الربّ يمنح أصعب المحن لأقوى جنوده”.
جيسي فخري فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً، اشتهرت بلقبها “جيسي البطلة” التي قاومت المرض وانتصرت عليه. تقول في حديث لـ”النهار”: “في 20 أيار سنة 2017، انقلبت حياتي رأساً على عقب. في هذا اليوم المشؤوم شُخّص لديّ #سرطان الدّم. قبل ذلك، اعتقدت أنّ البطل هو من لديه قوّة خارقة. لكنّني اليوم اكتشفت المعنى الحقيقي للبطولة، وتغيّرت حياتي بأكملها. كنت فتاة عاشقة للحياة، خصوصاً الرقص، وتحوّلت بين ليلة وضحاها إلى فتاة عاجزة أمام الأدوية والوجع”.
تضيف فخري: “حين دخلت إلى مركز سرطان الأطفال، رأيت الخوف في عيون عائلتي، وعلمت بمرضي، وأنا عائدةً من غرفة العمليات. حينها لمحت لافتة “مركز سرطان الأطفال”. علمت الحقيقة التي امتنعوا عن إخبارها لي.”
تلفت جيسي إلى أنّها تؤمن بولادة قوة خارقة لدى مرضى السرطان، وتقول: “أعتقد أنّها القدرة الإلهيّة. فحين قرّروا اخباري الحقيقة، كنت قد سبقتهم وقلت، وبكلّ قوتي “أنا أعلم”. بالنهاية المرض هو سرطان، والسرطان في مجتمعنا هو الموت، لكن منذ البداية، وعدت نفسي بألا استسلم، لأنه بالروح الإيجابيّة، وبالأمل والصلوات بإمكاننا أن نتغلّب على كلّ الأمراض، “ضليت صلي لحتى ما بقي شي صلّيه””.
وفي ما يخصّ مرحلة العلاج، تقول جيسي: “في مركز سرطان الأطفال، لم أتعالج فقط بل أعطوني الطاقة الإيجابيّة في ظلّ الوجع. كنت في كلّ مرّة أنهي جلسة علاج، نحتفل سويّاً، “كنا ندعس على الإبرة يللي أخذتها”. أهلي وعائلتي لم يبخلوا عليّ بزرع البسمة على وجهي طوال فترة علاجي، بالرّغم من حزنهم؛ وفي كلّ لحظة ضعف، خلقوا منها قوّة”.
وحين نتكلّم مع هذه الفتاة، التي نستمّد منها الطاقة الإيجابيّة، نشعر بأنّ المرض زاد على سنوات عمرها سنين، وبصبرها وقوّتها تغلّبت على المرض، وهي اليوم تريد أنّ تبعث برسالة لمرضى السرطان مفادها “أنني أؤمن بأنّه بعد كلّ نفق مظلم، هناك نور”.
وتتابع: “حين تمّ تشخيص السرطان لديّ، قرّرت ألا أحطّم نفسي معنوياً، وألا أحزن؛ فحين أنظر إلى المرآة وأرى ابتسامة على وجهي، بالرغم وجع جسدي، يدفعني ذلك إلى المقاومة “أنا أقوى من الوجع”. وعندما كنت أخضع للعلاج الكيميائيّ كنت أكتب أغنية “إنت بتوجع بس أنا فيي غنيلك لتقدر تفيدني وتقتلي السرطان”. أريد أن أضيف جملة سمعتها في أوّل علاجي وأعطتني القوّة “اللّه ما بيعطي أصعب المعارك إلاّ لأقوى جنوده”. كنت أقول ذلك لنفسي: “كم هو جميل أنّ أكون من جنود اللّه الأقوياء، وأن أخوض معتركاً صعباً لم يمنحه إلّا للمقاومين وللأبطال. اللّه لا يثقلنا بأحمال تفوق طاقتنا، والسرطان ليس نهاية الحياة، بل هو بداية حياة كلّها قوّة”.
وراء قوّة ومقاومة الأطفال جنود خبّأوا الوجع، وكانوا دائماً يطلّون بابتسامة لزرع الأمل. أهالي وعائلة الطفل المصاب يضعفون أمام دمعة طفلهم، فمن يدعم هؤلاء خلال محنتهم، فيحاول أن يخفّف من عبء الأيّام؟
يأتي مركز سرطان الأطفال في مقدّمة الداعمين للمرضى وأهاليهم، فهو يدأب على تأمين علاج الأطفال من دون أيّ تكلفة. وتقول مديرة قسم التسويق والاتصالات في المركز جورجات عوده، في حديث مع “النهار”، إنّ “تكلفة العلاج تبدأ من 40 ألف دولار وصولاً إلى الـ200 ألف دولار سنوياً بحسب الحالة التي يعانيها الطفل، وكمعدّل وسطيّ يبلغ نحو 55 ألف دولار عن كلّ طفل”.
المبالغ كبيرة، والتحدّيات تكبر في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، وأزمة انقطاع الأدوية، وهذا ينعكس سلباً على المركز. وفي الإطار، تقول عودة: “إنّ المركز بحاجة إلى تأمين 15 مليون دولار سنوياً ليستمرّ، وأصعب التحدّيات هي تأمين التبرّعات، التي نحصل عليها من لبنان والاغتراب. فقبل الأزمة كنّا نؤمّن نحو 80 في المئة من التبرّعات من لبنان، إلا أنّه مع انهيار العملة الوطنيّة، وارتفاع نسبة الفقر، لم يعُد بوسعنا تأمين هذه النسبة. في المقابل، يشكّل توفير الدواء للأطفال تحدّياً أيضاً. فقبل سنتين، رفعنا الصّوت للتبرّع بالأدوية، لأنّ أطفالنا بخطر، وحينها غمرتنا حملة تبرعات كبيرة”.
وتشدّد عودة على أهمية الدعم النفسي “فهذا الجزء مهّم جداً لصحّة الطفل إلى جانب العلاج الطبي، ويقدّم المركز علاجاً نفسيّاً ومعنوياً له ولعائلته تحت عنوان “a wellness program”. هذا البرنامج يسمح للأطفال بتنمية صحتهم النفسيّة. وخلال هذه الفترة، تتمّ متابعتهم من قبل معالجة متخصّصة تواكبهم بالـ”الطب التلطيفي” أو “الرعاية التلطيفيّة” إذا لزم الأمر”، إضافة إلى تأمين وسائل التسلية لهم”.
من الجمعيات الأخرى، التي تقدّم في المقام الأوّل مساعدة نفسيّة، جمعيّة “crush cancer with a smile”. يقول في هذا الإطار مسؤول الجمعية شريف قيس لـ”النهار” “نحن نوفّر الدعم المعنويّ والنفسيّ والعاطفيّ خلال فترة علاج مرضى السرطان. نقدّم الدعم للكبار والصغار. العمر ليس معياراً، ما نركزّ عليه هو التوعية بمرض السرطان، ونحاول تلقين المصابين كيفيّة محاربته بروح إيجابية، في حين أنّ معظم العلاج كامن في نفسيّة الطفل. من هنا أهميّة متابعة الطفل نفسيّاً خلال هذه الفترة الحسّاسة”.
ويضيف: “ما نحاول فعله هو تنظيم نشاطات لنشر التوعية، وقد بدأنا نشهد تفاعلاً ملموساً، ليس فقط على صعيد الأطفال بل أيضاً على صعيد الكبار”.
كثرٌ كانوا ضحيّة هذا المرض الخبيث، وكثرٌ سيواجهون متاعبه في المستقبل، لكن العبرة تبقى في حكاية جيسي والكثير من الأطفال الذين لم يفقدوا الأمل بل تسلّحوا بالإيمان، واعتمدوا على الله الرحيم.
النهار – رنا حيدر