لبنانيات

100 مليون دولار خلال 100 يوم يجنيها الطلاب من الوظائف المؤقتة

منذ منتصف نيسان الماضي، بدأت المنتجعات السياحية والمطاعم والمراكز التجارية، بإجراء مقابلات لوظائف “مؤقتة” تمتد لأشهر الصيف الثلاثة. الراغبين في الحصول على هذه الوظائف هم في الغالب طلاب المدارس والجامعات، الساعين للحصول على مردود مالي خلال أشهر العطلة، يكون سندا لهم إما لدفع أقساطهم الجامعية والمدرسية، أو للتمتع بمدخول إضافي عما يخصصه لهم ذويهم. أهمية هذا النشاط لا يقتصر على المردود المالي الفردي الذي يحصّله الطلاب، بل أيضا على خلق دورة إقتصادية، تُقدّر بنحو 100 مليون دولار، تبعا للقاعدة التي تقول أن زيادة الدخل تؤدي إلى زيادة الإستهلاك، ناهيك عن الفوائد الإجتماعية والنفسية التي يحصلّها الطلاب من هذه التجارب العملية القصيرة.

فرصة إختيار للمؤسسات أيضا

تشرح مديرة الموارد البشرية في أحد المنتجعات يولا -س ل”ليبانون ديبايت”، أن “الوظائف المؤقتة هي جزء من كادر الموظفين في المنتجع منذ سنوات وهذا أمر متبّع في كل دول العالم، وهناك من يتم الإستعانة بهم عاما تلو الآخر لأنهم يُظهرون إلتزاما في تأدية ما يُطلب منهم. إذ غالبا ما يعمل الطلاب إما كمساعدين للمدربين على المسابح أو في التوضيب داخل غرف الفندق أو مطابخ المطاعم، أو كنُدل في تقديم الطلبات بين الطاولات إذا كانوا يدرسون في المعاهد الفندقية”.

تضيف:”كل عام نُجري عشرات المقابلات وننتقي منهم ما يُناسبنا، لكن خلال السنوات الأخيرة آثرناعدم توظيفهم دفعة واحدة بل بالتدرج وبحسب الحاجة، بسبب المفاجآت السياسية التي غالبا ما تحصل في عز موسم الإصطياف، وتؤدي إلى تراجع عدد الرواد والمغتربين الذين يزورون لبنان، على غرار ما حصل الصيف الماضي مثلا، لكننا هذا العام نأمل خيرا خصوصا أننا كفندق ومنتجع، نراهن على زيارة السياح من دول الخليج، وكلما زاد عددهم كلما إحتجنا إلى وظائف مؤقتة أكثر”.

على ضفة المراكز التجارية، يشير مدير أحد المراكز في بيروت ل”ليبانون ديبايت” أن “أغلب الوظائف المؤقتة التي تستوعب الطلاب في المركز، هي التوضيب في المخزن وتعبئة البضائع على الرفوف، إذا كان الطلاب لا يزالون في المدرسة، أو على صناديق المحاسبة إذا كانوا في المرحلة الجامعية وإختصاصهم يسمح بذلك”، لافتا إلى “أهمية هذه الوظائف ليس فقط بسبب المعاشات المتواضعة، التي يتقاضاها الطلاب (لا تزيد عن 500 دولار)، بل لأن أغلبهم يُظهر حماسة ومثابرة في العمل، مما يسمح لهم بإختيار الطلاب الواعدين الذين يمكن توظيفهم بشكل دائم لاحقا”.

الطلاب- الموظفون

في المقابل لا يقتصر هدف الطلاب الذين يتقدمون للعمل في وظائف مؤقتة، على المردود المالي على أهميته بالنسبة لمعظمهم، بل أيضا لإشغال أنفسهم بأمور مفيدة كما تقول آية عزاقير (طالبة في المرحلة الثانوية) ل”ليبانون ديبايت”، “فمنذ أن أصبحت في صف الأول ثانوي، طلبت من والديها السماح لها بالعمل في مركز لحضانة الاطفال بالقرب من منزلها، ووظيفتها هي اللعب معهم وتسليتهم بالتنسيق مع المعلمة الأساسية وهذا أمر تُحبه، ويسمح لها المعاش الذي تتقاضاه بشراء ما يحلو لها من ثياب أو أكسسوارات. ففي العام الماضي تمكنّت من تغيير جهاز هاتفها من معاشها الخاص”. من جهتها تخبر أماني-ع (طالبة في قسم الهندسة الداخلية في الجامعة اللبنانية) “ليبانون ديبايت”، أنها “حاولت منذ دخولها الجامعة التدرب في أحد مكاتب الهندسة أثناء الصيف ولم تُوفّق، فنصحها والدها بالعمل في أحد المؤسسات التي تبيع السيراميك، لتكتسب خبرة بالمواد التي ستستعملها في عملها لاحقا، وهي سعيدة بالمعلومات التي إكتسبتها منذ سنتين”.

ويقول طوني-ت (طالب هندسة ميكانيك) لـ”ليبانون ديبايت”، أنه “يعمل كمحاسب في أحد مطاعم بيروت، بهدف مساعدة والده في تغطية مصاريف دراسته، والتي تتطلب إنجاز الكثير من المشاريع التطبيقية خلال العام الدراسي، بالإضافة إلى القسط الجامعي، كما أنه يعمل خلال فترات الاعياد (الميلاد والفصح والفطر) حين يُطلب منه ذلك”.

البواب: الوظائف المؤقتة تؤمن 100 مليون دولار

يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب ل”ليبانون ديبايت” أن “الوظائف المؤقتة التي يشغلها الطلاب في فصل الصيف هي نظام مُعتمد في كل دول العالم، ولا سيما في القطاع السياحي والزراعي، ونجدها مثلا في دول الاتحاد الاوروبي وليس فقط في لبنان والدول المجاورة وتشكّل إضافة للانتاج القومي للبلد”، مؤكدا أن “ليس كل طلاب المدارس والجامعات يعملون في فصل الصيف، لكن يمكن القول أن معدل ما يجنونه يوميا في لبنان هو نحو مليون دولار، أي ما مجموعه 100 مليون دولار تدخل في الدورة الاقتصادية على مدى 100 يوم، ما يُشكل ما نسبته 1 أو 2 بالمئة وفقا للمعدل الشهري أو السنوي للنشاط الاقتصادي اللبناني”.

طربيه: عمل الطلاب يكسبهم خبرة وإدراكا لخيارات حياتهم

إلى جانب المردود الإقتصادي للوظائف المؤقتة، هناك أيضا مردود نفسي وإجتماعي، يشرحه ل”ليبانون ديبايت” الإخصائي الإجتماعي الدكتور مأمون طربيه، فيقول:”بالنسبة لمكانة العمل وأهميته بالنسبة للأفراد في المجتمع، ننظر له كباحثين في علوم الإجتماع، ليس فقط من خلال ما يُقدمه من فائدة مادية تُعين على متطلبات الحياة، إنما يؤشر في جانب منه على بلورة شخصية الشباب ورسم توقعاتهم وتعزيز قدراتهم، وهذا أمر مهم لرسم حياتنا الإجتماعية وتنشئتها وفق أطر مفترضة”.

يضيف:”حين نتعرف على شخص ما أول ما نسأله (ماذا تفعل في الحياة)، هذا السؤال هو مؤشر لمعرفة هل له دور أو مكانة أو شأن معين نؤديه من خلال وظيفة معينة؟ هذا الأمر في البعد النفسي- الاجتماعي يعزّز الحضور الشخصي لأي إنسان”، معتبرا أنه “يمكن التدليل على أهمية العمل، أن الطلاب واليافعين الذين يعملون خلال فصل الصيف أو بدوام جزئي، يصبحون أكثر نضجا ووعيا ويتعلّمون تحمّل المسؤوليات، ومهارات التفاعل مع الآخرين وقيمة الوقت وحسن تنظيمه”.

يجزم طربيه بأن “هناك إضافة معنوية وإجتماعية وعملية لعمل الطلاب، لإنهم يحصّلون خبرة في المجال الذي يعملون فيه، وقد يكون بداية لمسار عملي يمكن أن يتطور لاحقا من هذه الخبرة المؤقتة، وقد لاحظنا نحن كعلماء إجتماع أن هناك إزديادا في عدد الطلاب الذين يعملون خلال الإجازات المدرسية والجامعية، ليس بهدف التحصيل المادي والمصروف الشخصي فحسب، وإنما أيضا لإكتساب علاقات صحبة والحصول على خبرة”.

ويختم: “بالمقارنة تبين أن هناك فروقا نفسية وإجتماعية، بين الشباب الذين يعملون والذين لا يعملون. فالذين يمرّون بتجارب وخبرات عمل يكونون عادة أكثر ديناميكية في تعاطيهم مع الآخرين، وأكثر تحديدا لخياراتهم العملية لجهة التخصص وخاصة أن هناك طلاب يحبوّن تنويع تجاربهم في العمل، لإكتساب الخبرة وليصبحوا أكثر إدراكا لخيارات حياتهم بشكل أفضل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى