هكذا حوّلت مريم عاصي النفايات إلى تحف فنيّة!
لا تزال المرأة تناضل في سبيل حقوقها. لم تستسلم يوماً لما يثار حولها من قضايا شائكة. رفضت مريم عاصي أن تقف متفرّجة على أزمة النفايات التي ترهق القرى. قرّرت الإستفادة من الزجاج لتصنع منه تحفاً فنية. وجعلت من القمامة فرصة عمل. كانت واحدة من سيّدات حَوَّلْنَ الأزمة إلى أملٍ. جورجيت إحداهنّ. تعلم أن النايلون يحتاج إلى مئات السنين ليتحلّل. «ع الموضة» تُحيك إبنة مرجعيون خيوط النايلون محوّلة إيّاها إلى جزادين وصوان وسللٍ. تتّخذها مصدر عيش في هذه الأيام الصعبة.
تقوم جورجيت بجمع الأكياس من الجيران كي لا يرموها في النفايات، وتعيد تدويرها بعمل متقن. تؤكد أن «النفايات ثروة مهدورة على الطرقات»، جازمةً أن «قصر التفكير يجعل منها أزمة بدل تحويلها إلى فرصة عمل». كما لفتت إلى أنّ «الدول الأوروبية تستخرج منها الكهرباء، أما نحن فنمرض بالسرطان». تأسف لأنها أصيبت بهذا المرض الخبيث، بسبب النفايات وآثارها السّامة. تضيف: «منذ أن عرفت بالأمر قرّرت أن أحوّل النايلون إلى فرصة لأنه الأكثر تلوّثاً».
جورجيت ليست وحدها التي تدوّر النفايات. مريم أيضاً. غير أنّ ابنة بلدة أنصار الجنوبية، اختارت الزجاج لعملها، خصوصاً بعد توقّف معامل الزجاج وآخرها مصنع الصرفند. أخرجت مريم الأزمة من عنق الزجاج، رأت بأمّ العين حجم المأساة البيئية التي باتت تهدّد صحّة الناس. أعداد الإصابات بالسرطان والربو والحساسية تضاعفت مرّات عدة طيلة السنوات الماضية.
لم تنجح البلديات ومن خلفها إتحاد بلديات الشقيف في إيجاد مخرج للأزمة. فازت الكيديّات السياسية على صحّة المواطن. خسرت منطقة النبطية معمل فرز النفايات، وربحت النفايات الطرقات. بعض البلديات لجأ إلى الفرز من المصدر لمعالجة جزء من الأزمة. بقيت التجربة محدودة ولم تتطوّر، وأتت الأزمة المالية لتضع العصي في دواليب استمراريّتها. أما مريم فتجمع «قناني» الزجاج وتعيد تدويرها قطعاً فنية في غاية الإتقان. استغلّت اختصاصها (غرافيك) في هندسة العبوات. أعطتها هويّة فريدة. حوّلتها إلى ثريات. ودمجت القناديل مع الخشب والخيش والفلين. وهو ما يميّز أعمالها التي بدأت تستحوذ على الانتباه.
اختارت الزجاج لأنّه كما تقول «الأخطر على البيئة ويصعب تحلّله». تضيف «أحاول أن أقدّم نموذجاً في ابتكار الحلول، في وقت تهدّد النفايات صحّتنا. بدأت أعمالي تأخذ شهرتها». تعتمد على عملها الفني لتحقيق أرباح، تشدّد على «أنّ الزجاج ثروة بحدّ ذاته، لكننا نجهل كيفيّة التعامل معه». لم يفكر أحد في الأمر مسبقاً، يستسهلون رميها، «أنا أبرع في هندسته أشكالاً وأحجاماً متعددة».
بدت محترفة في عملها، وهي الثائرة على النفايات، لذا «قرّرت أن أستغله». داخل مشغلها «مرازال» تتعرّف إلى عمل مريم. إلى شابة نجحت في قصّ الزجاج وفق رؤيتها. بات شغفها وعشقها. «وجدت عبره لقمة عيش من الصعب توفّرها هذه الأيام». تعتبر أن ما تقدمه هو «تحويل اللاشيء إلى فنّ، والمعضلة إلى حلّ. نملك مفتاحاً للحلول، لكننا نرفض استغلال الفرص. كل ما يحيط بنا قابل للتدوير، شرط أن نرسم الخطط ونملك القرار».
فتحت مشاركة مريم في العديد من المعارض الباب لتكون سفيرة الفنّ الزجاجيّ المدوّر. وتختم: «لا حلّ لأزمة النفايات إلا بالفرز والتدوير. ولو انطلق كلّ واحد من هذه النقطة، لأنتجنا حلّاً نهائيّاً للأزمة».