كفروة “المُهمّشة” تُعلّق آمالها على خشبة الإنتخابات
من المتوقّع أن ينتخب قرابة 670 ناخباً من بلدة كفروة، قضاء النبطية أول مجلس بلدي لها وهو مؤلف من 9 أعضاء، في انتخابات البلدية لعام 2023 لو حصلت. طالبت البلدة كثيراً بأن يكون لها مجلسها الذي يمثّلها، ويعزّز الإنماء داخلها. ملايين الليرات خسرتها البلدة جرّاء غياب البلدية. كلّ عام تقريباً كانت تخسر حوالى 200 مليون ليرة فقط هي قيمة الرسوم التأجيرية من المحال المنتشرة على طول الأوتستراد، عدا عن أموالها المستحقة من الصندوق البلدي المستقل. كان بوسعها أن تردّ أبناءها الذين هجروها منذ عام 1975، واستثمار عقاراتهم المهملة.
حتى الساعة لا مؤشرات واضحة بشأن حصول الإنتخابات البلدية. الماكينات الإنتخابية مجمّدة، كما يشير مختار كفروة خليل عون الذي يقول إن «الناس لا يصدقون أنّ هناك معركة انتخابية»، مضيفاً أن «ظروف البلد صعبة، وغالبية الأحزاب تتجنّب حصولها». يخشى تأجيل الإنتخابات. حينها سيقدّم استقالته لتناط المهمّة إلى الأكبر سنّاً. فهو أمضى أكثر من 13 عاماً في المخترة، أنهكته سنواته التي وصلت إلى حدود الثمانين من العمر. ما يقلق عون «من سيدير أمور الناس وينجز معاملاتهم».
كفروة واحدة من البلدات المسيحية في قضاء النبطية. جارتها دير الزهراني. تقع البلدة أسفل الوادي، تحملك طريق متعرّجة إلى عمق الضيعة، ذات المنازل الحجرية مع مزيج من البيوت الحديثة، ترافقك أشجار الصنوبر والزيتون.
على طول الطريق تنتشر المساحات البور. مساحات واسعة وتحديداً الواقعة قرب أوتستراد النبطية الزهراني، تمّ بيعها قبل سنوات من قبل أصحابها واشتراها أفراد من الطائفة الشيعية من أبناء المنطقة. يؤكّد المختار عون «أن كلّ الأراضي الواقعة عند أطراف البلدة والمحاذية للأوتستراد جرى بيعها». يتأسّف عون مشيراً إلى أنّ الظروف دفعت أبناء البلدة وتحديداً كبار السن للبيع من أجل لقمة العيش. لم يجبروا على بيع أراضيهم، مشدّداً على أنّ «وحدة حال تجمع القرية بجيرانها الشيعة».
لا تزال البلدة النائية على حالها، 320 شخصاً فقط يقطنونها. الغالبية «فلّوا» زمن الحرب ولم يعودوا، ومن بقي يواجه أزمات اقتصادية ومعيشية صعبة. حتّى الزواج بات صعباً أيضاً، أكثر من 50 شاباً و30 صبية لم يتمكّنوا من الإرتباط بسبب الأوضاع المتدهورة. إنّها نسبة مرتفعة مقارنة بعدد سكّانها المقيمين والذي يرتفع صيفاً إلى 500 شخص. هذا الواقع سينعكس سلباً على المؤشّر السكّاني الذي يشهد تراجعاً مخيفاً. إذ مقابل كل حالة ولادة هناك 15 حالة وفاة. ما يؤدي وفق المختار إلى اضمحلال الوجود المسيحي في البلدة.
يُرخي الهدوء بظلاله على القرية. بالكاد تجد دكّانة داخلها. تغيب الخدمات عنها. لا مستوصف، لا مدرسة بعد إقفالها قبل سنوات عدّة في ظلّ تراجع عدد الطلاب. أبناؤها يقصدون مدارس النبطية وتحديداً مدارس الراهبات، وبعضهم يُكمل دراسته في بيروت.
غيّبت الأزمة مظاهر الحياة. يتمنّى أبناؤها في زمن الصوم، أن تحصل معجزة تقلب الأوضاع رأساً على عقب. عادة ما تصلّي جورجيت في الكنيسة. تشعر بالأمان، لكنها تخشى الموت «بات باهظاً، كلفته تتخطى الـ2500 دولار، حتى الموت لحقته الأزمة». تعيش مع شقيقتها، تعتمدان على الزراعة وتربية النحل، فعسل كفروة ذات مذاق مميز وفق ما تؤكّد.
غير أنّ معاناتها كما كل المزارعين تتجسّد في شحّ المياه. انسحب الأمر تراجعاً في المساحات المزروعة. يعتمد معظم سكان كفروة على الزراعات البعلية بانتظار تركيب الطاقة الشمسية للبئر الإرتوازية. في هذا السياق، كشف عون عن تمويل من جمعيات فرنسية ومن تبرّعات أبناء البلدة لتركيب الألواح، حينها تحلّ أزمة المياه، وسيتمكّن أبناء البلدة من زراعة أرضهم وريّها.
كحال بقية القرى المسيحية، تعيش عزلة بسبب هجرة أبنائها. معظم شبابها غادرها بحثاً عن فرص عمل أو للدراسة في بيروت. من بقي منهم، يحاول كاهن رعية مار يوسف الأب أنطوان غزال لمّ شملهم «حرام أن تبقى البلدة شبه فارغة»، لافتاً إلى أنّه سيعقد لقاءً مع المغتربين الأسبوع المقبل عبر تطبيق «زوم»، للبحث في آلية التواصل. أما عن القاطنين في بيروت، فيقول غزال إن «الواقع الإقتصادي الصعب، دفع الذين كانوا يحضرون أسبوعيّاً إلى البلدة، إلى تقليص زياراتهم إلى مرّة واحدة كل شهر».
يشدّد غزال على أنّ الكنيسة لم تتخلّ عن رعيتها. تقوم المطرانية بتأمين الحصص الغذائية للعائلات الأكثر حاجة. منذ قدومه إلى كفروة، يعمل الكاهن على تعزيز الحضور الشبابي وتنظيم مسير شبابي مُتنقّل في القرى. الغاية منه كما يقول غزال «استقطاب الشباب وخلق روابط حبّ وانتماء للأرض».
لا مكان للسياسة بين الشباب، يؤكّد غزال «لا تحضر في خطاباتهم وأحاديثهم، ما يهمّهم هو تأمين مستقبلهم. هذا شغلهم الشاغل. يهربون نحو الاغتراب لتحقيق أحلامهم».
في زمن الصوم، يُعلّق غزال آماله على تطوير البلدة، يدرك صعوبة المهمّة. الإنماء شبه غائب عنها. لكنّه يسعى عبر وزارة الزراعة لاستصلاح الأراضي الواسعة وزراعتها بالأشجار المثمرة، ما يؤمّن موارد مالية ويعزّز صمود الأهالي».
تنتظر كفروة الإنتخابات البلدية لعلّ تلك المعركة تدفع حالها نحو الأفضل، وتضعها على سكّة الإنماء.
نداء الوطن – رمال جوني