خديجة “أخت الرجال”: أكنس الطرقات لأساعد والدي
دفعت الظروف القاسية بخديجة بصّار ابنة بلدة كفررمان إلى العمل في كنس الطرقات. حملت المجرفة وانطلقت في نزع الأعشاب المتجذّرة منذ زمن، وكأنّها تحاول انتزاع فرصة ما لها. الطالبة في اختصاص عناية تمريضية، لا تخجل بما تقوم به، على عكس أبناء جيلها، حمل المكنسة التي كان والدها يحملها سابقاً بمثابة شرف لها كما تقول، «والدي كان ينظّف الطرقات قبل أن يداهمه المرض، وأنا أعمل بالمهنة ذاتها، لكي أساعده».
منذ أشهر وتتنقّل مع والدها بين المنزل والعناية المشدّدة في المستشفى، بسبب سوء حاله، غير أنّها اليوم توزّع وقتها بين كنس الطرقات، وبين تأمين الرعاية له. لم تأبه إلى ضياع بعض الأشهر من عامها الدراسي. عينها على فرج قريب. لا تفارق الابتسامة ثغرها، رغم ما تعيشه، فهي تؤمن بمقولة «بعد الشدّة الفرج».
خديجة «أخت الرجال»، قرّرت مواجهة الحياة بالمنجل والمجرفة، حملت همّ والدها المريض وذهبت تنظّف الطرقات، تتحدّى واقعها المرير، أدركت أنّ الظروف تحتاج منها بذل الكثير من العمل. ترفض الانكسار، فهذه العبارة لا تدخل في قاموس كفاحها اليوم. جلّ ما تريده هو أنّ تتبدّل ظروفها ذات يوم لتكمل علمها بهدوء. حلم تعلم أنّه مستحيل «ولكنّه ليس صعباً لأنني عقدت العزم على العمل ولن أتراجع، لا أخجل كوني أنظّف الطرقات، ما أقوم به عمل يشرّفني، ما أخجل منه أن أفشل في علمي وفي دعم أبي».
تتمتّع خديجة بشخصية صلبة، هي وليدة ظروفها. تعمل من دون تعب. «لا وقت للتعب، اليوم أكنّس الطرقات وغداً قد أعمل في أي شيء آخر، العمل ليس عيباً، العيب هو الاستسلام».
من يراقب خديجة ابنة الثامنة عشرة من عمرها، يلاحظ إصرارها على مواجهة ظروفها، تحاول إزالة كل العراقيل من دربها، علَّها تتمكّن من تغيير بعض من سوء طالعها، على حد قولها. اضطرت للعمل في مهنة شاقّة لكي تكون سنداً لأهلها، لا تسمع منها كلمة «ليش أنا مش متل غيري؟»، على العكس، تجدها مكافحة رغم صغر سنّها، تدرك جيداً أنّ الظروف تبدّلت، وأنّ عليها الكدّ لكي تؤسّس لمستقبلها القريب، «أريد أن أكون ممرّضة ناجحة، أن أقف بجانب كل محتاج، أنا اليوم أساعد أبي الذي علّمني أن أكون إنسانة مكافحة، لا تهاب المصاعب».
تدرك خديجة أنّ ما تقوم به صعب على مختلف الصعد، بين رعاية والدها والعمل والتعلم ومع ذلك تردد «أنا أثق أنني قادرة وسأنجح»، فهي تربّت في بيئة فقيرة كان عليها العمل لكي توفر أبسط ما تريد «أبي من ذوي الحاجات، والآن وضعه متدهور، أجلس قربه في العناية المشدّدة لأعتني به، هو أبي سأتحمّل لأجله كل شيء، وسأعمل بكلّ شيء كي أكون قربه».
قلّة من جيل خديجة تعمل في تنظيف الشوارع، فهذه المهنة لطالما إرتبطت بالفقراء، غير أنّ خديجة كسرت القاعدة، حملت رفشاً، منجلاً، مجرفة، أزالت الأوساخ والأعشاب. صحيح أنّها تعمل لفترة محدودة مع إحدى منظمات العمل، غير أنها تؤكد أنّ ما ستجنيه سيساعدها، لا تهتمّ «بالبرستيج» ولا حتى بتعليقات الناس، ما يهمّها العمل فقط، «الناس لن تؤمّن لي أدوية والدي ولا حتى مصاريف دراستي، العمل وحده يسعفني».