في وادي الحجير العم يوسف ينقلب على الحزن ويغزف بغيتاره لايام الزمن الجميل
نادراً ما ترى رجلاً مسنّاً يحمل غيتاره ويعزف، فالظروف الصعبة حالت بين الناس وبين الفرح، لم يعد هذا المصطلح وارداً في يومياتهم المثقلة بالغلاء والفواتير والأزمات، وباتت الموسيقى التي كانت رفيقة سهرات أيام زمان، وتحديداً موسيقى المنجيرة والعود، من ذكريات الزمن الجميل. غير أنّ العمّ يوسف قرّر أن ينقلب على قوانين الحزن السائدة، حمل غيتاره رفيق دربه، وراح يعزف معزوفات الزمن الجميل. لم يأبه لعمره وقد تجاوز الثمانين، ولا للظروف الضاغطة، جلّ ما فكّر فيه أن يخلق فسحة فرح ولو صغيرة.
في وادي الحجير، وتحديداً عند نبع الحجير الأثري، جلس العمّ يوسف طباجة إبن بلدة الجميجمة الجنوبية يعزف، أطلق العنان لموهبته التي رافقته طويلاً، عزف الفرح المفقود، والأمل البعيد المنال، ما يريده هو جرعة سعادة لا اكثر، فـ»ما نمرّ به صعب ويحتاج منّا الصبر والمواجهة».
يواجه طباجه الحياة بالموسيقى، يدرك جيداً أنّ ما ينتظره صعب، لا ينضوي تحت لواء الضمان، والطبابة في لبنان للميسورين فقط، غير أنّه يؤكّد «الموسيقى علاج الروح». يحاول أن يخفف معاناته اليومية، فهو واحد من مئات اللبنانيين الذين تجرّعوا كأس مرّ الدولار الجمركي، وارتفاع الدولار وأسعار الدواء والغذاء والحياة، «لم يبقَ لنا في لبنان غير الهواء مجّانياً، لكنّه ملوث».
يضحك في سرّه، كثر وقفوا ليستمعوا الى عزفه «الحلو» كما وصفه الكل، وتساءلوا: «كيف أمكن «لختيار» أن يواظب على عزف الموسيقى؟» فاليأس بلغ أشدّه في الكثير منهم، تسلّل الى يومياتهم، لكنه لم يسلك طريقه نحو العمّ يوسف.
يهرب من ظروفه نحو غيتاره، يلازمه في الكثير من أوقاته، يقتل الفراغ عبره، ويداوي جراحات الأيام من خلاله، لا تعنيه السياسة، نادراً ما يتابع خطابات الزعماء والقادة، فهي بالنسبة إليه سمفونية كاذبة تبيع الناس أوهاماً لتبرير الفساد، يتعاطى فقط بالموسيقى والفن والثقافة، فهو من الرعيل المثقّف الذي يعرف قيمة المعرفة والثقافة المنفتحة على الفرح، هو من دعاة خلق الفرص.
مرّ زمن طويل على تقاعده، كان مزارعاً لم يتقاعد من الأرض رغم عمره، فالارض بالنسبه اليه هي الوطن والتخلّي عنها ضياع. يحفظ إرث الحجيري والجنوب، يأسف لضياع تاريخ الجنوب التراثي والأثري في غياهب الإهمال، يرمق قلعة دوبية بنظرة حزن، يعزف مقطوعة من التراث الجنوبي، يؤكّد أنّ كثيراً من قلاع الجنوب مهملة، حلمه أن يعزف في إحداها، أن يعرّف الجيل الجديد على حضارة الوطن، يدرك أنّ حلمه بعيد المنال، وقد لا يتحقّق.
يواصل العمّ يوسف عزفه على غيتاره، يرتشف كوب شاي أعدّه على الحطب، فهذه الفسحة باتت شبه أسبوعية في الوادي، يستغلّ ما تبقّى له من عمر في شيء مفيد، مدركاً أنّ ما يقوم به «رسالة حياة في زمن الأزمات».
نداء الوطن – رمال جوني