الجنوب الآتي إلينا من دار زفتا للثقافة: جوهرة معمارية بضخامة قصريّ بسترس والداعوق
تستحوذ دار زفتا للفنون والثقافة والتراث على انتباه الزائر، الذي شقّ طريقه إليها، قادماً من بيروت حتى محافظة النبطية. يشبّه الكثيرون هذه الدار بجوهرة معماريّة، وغالباً ما يقارنها المهندسون المعماريّون بضخامة قصريّ بسترس والداعوق وعراقة كلّ منهما.
يَجمع رجل الأعمال بهجت الدرويش بين عراقة الماضي والرؤية المستقبليّة المتجذّرة في رائحة تراب الجنوب من خلال تحويل هذا المكان الممتدّ على مساحة 1200 متر مربّع إلى دار للفنون والثقافة والتراث.
من المقرّر أن تنطلق فعاليات هذه الدار رسميّاً السّاعة الـ11،00 من صباح يوم الإثنين في الـ4 من حزيران بمبادرة ثقافيّة جامعة لرسّامي الجنوب وفنّانيه ومثقفيه بعنوان “طريق الفن”، على طريق الارتقاء بمجتمعنا المحليّ، بالرغم من تراكم الأزمات من حولنا…
باتت الدار اليوم رمزاً للصمود الثقافيّ، وملاذاً أقرب إلى الشمس، والمكان الأبعد عن حياتنا المزدحمة، والفرصة لجعل الثقافة بوجوهها المختلفة في متناول الجنوبيين.
تطلّ الدار، وفقاً للكتيب الصادر عنها، من التلّة على كلٍّ من جبل الريحان وجبل صافي وصولاً إلى جبل الشيخ، ولتنفرد في الشتاء القارس بإتاحة فرصّة تأمّل الثلج وهو يكسو سلسلة الجبال هذه.
يمكن، وفقاً للمصدر نفسه، أن يرى الزائر من الدار جبل عامل من جهة الغرب، ثم حدود فلسطين ورأس الناقورة جنوباً، وصيدا شمالاً، مع ما يرافق ذلك من رائحة شجر الزيتون الموزّعة في أرجاء حديقة الدار وزهورها المتنوعة…”.
قبل عرض أهمية المبادرة، تشهد الدار – وفقاً للدرويش – من خلال جدرانها على فصول رئيسيّة من مسيرة لبنان، وتحديداً من مراحل بنائه من عام 1906 إلى عام 1911 وحتى يومنا هذا، مع ما رافق البناء من إعادة ترميم بجهود جبّارة من المهندسة المعماريّة الغنيّة عن التعريف سيمون قصرملي، بعد الأضرار الفادحة، التي وقعت في أغلب أقسام الدار الداخليّة بسبب حريق كبير في عام 2014.
يتحدّث الدرويش عن هذه الدار التراثية – التاريخية كشاهد “حيّ” على تاريخ المنطقة ومسار عائلته، ابتداءً من جدّه الأكبر، وكان اسمه حسين بك الدرويش، الزعيم البارز في الجنوب، الذي بنى هذه العمارة الضخمة لتكون ملتقى لأعيان المنطقة، ونقطة تلاق لسكّانها حيث يتابع معهم – بصفته وجيه المنطقة – همومهم ومشكلاتهم وطلباتهم…
وصف الدرويش الدار، التي كان يقصدها أهالي المنطقة، بأنها صمّمت بذوق مهندسين معماريين إيطاليين وشرقيين معاً، مع ما رافق عملية البناء في حينها من طراز تقليدي – عثمانيّ، مشيراً إلى أنّها “مؤلّفة من منزلين “توأمين” من الطراز العثمانيّ متّصلين بستة أروقة “متوجّة” بأعمدة ذات تيجان محفورة بزهور اللوتس، إضافة إلى ألوان خاصّة بجدران الدار وأبوابها ونوافذها المصنوعة من خشب الأرز القطرانيّ، والتي تتآلف مع ثريات فخمة وبلاط أحمر وقطع أثاث دمشقيّ وفرنسيّ، إلى جانب أعمال فنيّة، لا سيّما مجموعة المخطوطات التي تبيّن الأختام المحفورة باسم القرى التي كان جدّه الأكبر حسين بك الدرويش يدير شؤونها بالكامل…
بعد الحريق في عام 2014، حرص الدرويش على عودة البيت القديم إلى عراقته بفضل جهود المهندسة المعمارية سيمون قصرملي، التي حرصت على ترميم الدار مع بعض التحديثات المواكبة لمتطلّبات عصرنا هذا.
“الدار ضمت اليوم خريطة “طريق الفن” لـ18 فناناً متنوّعاً من الجنوب، وأتاحت الفرصة لزيارتهم والتعرّف عليهم واكتشاف أعمالهم والقصص الملهمة وراءهم،” قال الدرويش.
عدّد بعض أسماء هذه الخريطة، مشيراً إلى أنّ “من هؤلاء يوسف عون، وغنوى بدر الدين، وفتاة بحمد، ونور بلوق، ودرويش شمعة، وعلي شمس الدين، وديفيد داود، وشربل فارس، وريما حويلا، وسكينة حويلا، وحسين حسين، وصافي جوني، ومي جعفر، وزاهد قبيسي، وعادل قديح، وعباس مكي، وريما منصور، وأمل مطر، ومحمود وهبي، وسواهم”.
كيف ولدت المبادرة فعلياً؟ أجاب بحماس قائلاً: “بدأت “طريق الفن” باكتشافنا مصادفة محترفاً للفنان التشكيليّ يدعى درويش شمعة في النبطية، وذلك في أوائل عام 2021″.
بالنسبة إليه، “بعد بضعة أشهر، كان ثمة فرصة أخرى للتعرّف على فنان آخر هو حسين حسين في محترفه في صور”. وأضاف: “بدأت المبادرة بسلوك طريقها، وتحوّلت الدار إلى ملتقى للفنانين المحليّين، الذين يقدّمون في أعمالهم قصصاً عن الإنسانية والإبداع والعزيمة والمرونة والجمال والأمل”.
أكد الدرويش أننا “نتوّق إلى دعم الفنانين المحليين، وذلك جزء من مهمة دار زفتا، مع بذل جهود لخلق فرص عمل للمجتمع المحليّ من خلال الأنشطة الفنية في المنطقة”، مشيراً إلى أن “طريق الفنّ مبادرة تروّج للفنانين في منطقة غنيّة بالمواهب المحليّة مع إمكانية توسيع المشروع إلى ملتقى بين الجنوب والغرب و/ أو حتى بين رفاق درب في الفنون كلّها…”.
النهار – روزيت فاضل