في مشهد مهيب : الحجّاج يصلّون في جبل عرفات، ووليّ العهد السّعودي يتفقّدهم في ‘منى’
في الساعات الأولى من فجر الثلثاء تدفق الحجّاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم من الحجّ، بعدما أمضوا الليل في مخيّمات مكيفة في وادي منى، على بُعد سبعة كيلومترات من المسجد الحرام في مكّة المكرّمة.
وسيبقون طوال اليوم في الموقع نفسه، يصلّون ويبتهلون ويتلون القرآن الكريم، والكثير منهم أعتلى جبل الرحمة وجلسوا بين صخوره.
على الجبل، قال العامل اليمني ياسين عبد الحق (23 عاما) الذي استخدم مظلة صفراء للوقاية من أشعة الشمس “أشعر براحة نفسية كبيرة”.
وتابع الشاب بفرح “لا أصدق أنني أمضي اليوم على عرفات”، قبل أن يواصل التلبية “لبيك اللهم لبيك”، والتي كانت تصدح في أرجاء المكان.
وعلى امتداد جبل عرفات، بكى حجّاج تأثرا وهم يصلّون في أجواء شديدة الحرارة، وقد حملوا مظلات للوقاية من درجة الحرارة التي بلغت 40 درجة قبل منتصف النهار.
وبعد غروب الشمس، يتوجّه الحجّاج إلى مزدلفة، في منتصف الطريق بين عرفات ومنى، ليناموا في الهواء الطلق، قبل بدء رمي الجمرات الأربعاء، أول أيام عيد الأضحى.
ووصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الثلثاء، إلى منى لتفقد الحجاج والوقوف على جودة الخدمات المقدمة لهم، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
رغم تعبيرهم عن سعادتهم، يشكوا الحجاج هذا العام من الحرارة الشديدة، فيما بلغت درجة الحرارة في منى الثلثاء 48 درجة مئوية، بحسب قناة الإخبارية.
وفي طريق خروجه من عرفات الثلثاء، قال الموظف المصري صبحي سعيد (56 عاما) وهو يتصبب عرقا “سعيد جدا لكنني منهك للغاية. أشعر بجفاف شديد”.
– الحر شديد –
حددت قوات الأمن السعودية نقاط دخول وخروج من المنطقة الجبلية الواسعة. وحلقت طائرات مروحية عسكرية فوق الجبل. وانتشر رجال أمن يحملون مظلات بيضاء في أرجاء المكان.
يُقام موسم الحجّ هذا العام بدون أي قيود لناحية أعداد الحجاج أو أعمارهم، بعد ثلاثة مواسم كان فيها الحج محدودا على خلفية تفشي جائحة كوفيد. والحجّ أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم،
وذكرت الهيئة العامة للإحصاء الثلثاء أن “إجمالي أعداد الحجاج لموسم حج 1444هـ 1,845,045 حاجًّا وحاجَّة”.
ووصل أكثر من 1,62 مليون حاجّ من خارج المملكة، على ما أعلنت السلطات السعوديّة الأحد.
في 2019، شارك نحو 2,5 مليوني مسلم من جميع أنحاء العالم في المناسك. لكنّ تفشي فيروس كورونا أجبر السلطات السعوديّة على تقليص الأعداد إلى حدّ كبير، فشارك فيها فقط 60 ألف مواطن ومقيم العام 2021 مقارنة ببضعة آلاف عام 2020، و926 ألف حاج في 2022.
قد يكون الحجّ مرهقًا جسديًا، حتّى في الظروف المثاليّة. إذ يؤدي الحجاج المناسك، والكثير منها في الهواء الطلق، تحت شمس حارقة وفي أجواء خانقة، تتسبب في كثير من الأحيان في ضربات شمس وحالات إعياء إضافة إلى توقف عضلة القلب، حتى أن الهواتف الذكية تتوقف عن تأدية بعض المهام ما لم “تبرد”.
-“فرص لا تتكرر”-
وتوقع المركز الوطني للأرصاد أن تراوح درجات الحرارة في مكة بين 43-45 درجة نهارا خلال موسم الحج.
وأقامت السلطات الكثير من المرافق الصحّية والعيادات المتنقّلة وجهّزت سيّارات إسعاف ونشرت 32 ألف مسعف لتلبية احتياجات الحجّاج. وحذرت الحجاج من التعرض “لضربات الشمس”.
وأقامت مركزا صحيا مخصصا لاستقبال حالات الإجهاد الحراري.
وفي أرجاء المكان، تمركزت شاحنات كبيرة توزع المياه الباردة وأخرى توزع أكياسا بلاستيكية بها مأكولات خفيفة.
وانتشر عمال يحملون أكياسا خضراء لجمع مخلفات الحجاج، فيما كتب على حاويات القمامة الخضراء “معا… للحفاظ على أطهر بقاع الأرض”.
ويعد تحمُّل بعض مناسك الحج مشقة، إذ لا يمكن للرجال وضع قبّعات منذ لحظة الإحرام ونيّة الحجّ.
وخلال هذا الأسبوع، شوهِد كثيرون في المسجد الحرام يحمون أنفسهم بالمظلات وسجّادات الصلاة والأوراق المقوّاة، فيما تُغطّي النساء رؤوسهنّ بالحجاب.
وقبل توجهّه إلى عرفات، أعرب المهندس الأميركي أحمد أحمدين (37 عاما) عن سعادته لأن “الله اختاره من بين ملايين” المسلمين لأداء الحج.
وتابع بحماسة “أحاول التركيز في الدعاء لأهلي وأصدقائي والصلاة لأنها فرصة لا تتكرر”.
والأربعاء، يُشارك الحجّاج في رمي الجمرات، آخر أهمّ المناسك – وقد أدّت في السنوات الماضية إلى عمليات تدافع مميتة – قبل أن يتوجّهوا إلى المسجد الحرام في مكّة لأداء “طواف الوداع” حول الكعبة، في أوّل أيّام عيد الأضحى.
على مر العقود، وقعت الكثير من الحوادث راح ضحيتها المئات بسبب عمليات تدافع في الأماكن الضيقة. لكنّ لم تسجل أي حوادث كبيرة منذ العام 2015 حين تسبّب تدافع أثناء شعائر رمي الجمرات في منى قرب مكة بوفاة نحو 2300 من الحجيج في أسوأ كارثة على الإطلاق في موسم حج.
وقامت السلطات السعودية بعدها بتشييد مبنى ضخم متعدد الطوابق مخصص لرمي الجمرات لتفادي أي ازدحام أو حوادث.