صيف مشتعل… جنوب لبنان يستقبل المغتربين رغم الحرب
في عطلة عيد الأضحى تغلب أبناء القرى الحدودية في جنوب لبنان المشتعلة بنيران الحرب والغارات والقصف المتبادل بين الإسرائيليين وعناصر “حزب الله” على خوفهم، وتوافدوا صباحاً بالمئات إلى قراهم وبلداتهم على رغم الخطر الشديد.
وأدى العائدون للديار صلاة العيد في مساجدها وزاروا قبور أمواتهم في مدافن القرى، وجالوا بالأحياء المدمرة متفقدين بيوتهم وأرزاقهم المتضررة قبل أن يعودوا لأماكن النزوح.
وعلى رغم الحرب المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر، ما فتئ عدد من أبناء هذه القرى والبلدات يزورون قراهم كلما تراجعت حدة المعارك أو استطاعوا الوصول إليها، وقد دفع بعضهم حياته ثمناً لهذه المغامرة، إذ سقطت عائلة بكاملها من أب وأم وابنيهما في غارة للطيران الحربي الإسرائيلي خلال زيارتهم بلدتهم ميس الجبل الحدودية في مايو (أيار) الماضي.
وكذلك حصل في بلدة حولا حيث سقط نحو أربعة مدنيين بينهم شقيقان في أقل من أسبوع، خلال عملهم أو تجولهم في أحياء البلدة التي تعرضت للقصف والتدمير مطلع يونيو (حزيران) الحالي.
صيف حزين
ويعني قدوم فصل الصيف كثيراً لأبناء الجنوب، إذ يشكل فرصة لمّ شمل العائلات في قراهم، فيقصدها القاطنون في خارج البلدات والعاصمة بيروت بعد انتهاء العام الدراسي، ويقيمون فيها نحو شهرين متتالين أو أكثر، فضلاً عن عودة المغتربين لقضاء عطلة الصيف بين أهلهم وذويهم، فتدب الحياة وتزدحم القرى بأهلها وناسها.
ويحل الصيف حزيناً هذا الموسم على القرى الجنوبية، خصوصاً الحدودية الواقعة على خط المواجهة والنار التي غادرها أهلها في نزوح جماعي تجاوز 90 ألف نسمة، ولجأوا إلى مناطق بعيدة نوعاً ما عن القصف والغارات التي تتعرض لها البلدات والقرى الحدودية بشكل شبه يومي.
ويتطلعون من بعيد نحو قراهم التي يتابعون أخبارها اليومية، ويطلعون من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على ما يجري بمسقط رؤوسهم ومنازل الجدود، من تدمير منهجي أصاب أكثر من 40 في المئة من البيوت والمؤسسات والطرقات والثروات الزراعية والحرجية.
يحل الصيف إذاً ولا شيء يبشر بهدوء المدافع، خصوصاً بعد تصاعد العمليات والغارات على الحدود في الأسبوعين الأخيرين، وتزايد التهديدات المتبادلة مما ينذر بصيف مشتعل ميدانياً، ويشبه اشتعال الحرائق في عدد من الأحراج والحقول التي وصل امتدادها إلى المنازل والأحياء، والتهمت مساحات واسعة من بساتين الزيتون والكروم والثروة الحرجية.
لا صيف في عيترون
يقول رئيس بلدية عيترون (بنت جبيل) سليم مراد لـ “اندبندنت عربية”، إن عيترون بلدة زراعية بامتياز وفيها عدد كبير من الأهالي القاطنين صيفاً وشتاء، لذا تعتبر من البلدات المكتظة سكانياً، ففيها دائماً نحو 8 آلاف نسمة من أصل أكثر من 20 ألفاً يشكلون عدداً كلياً لأبناء البلدة.
ويضيف أن “للصيف خصوصية فريدة في عيترون، باعتبار أن هناك كثيرين من المغتربين يأتون إلى البلدة، وكذلك يعود القاطنون خارج المنطقة إليها لقضاء عطلة الصيف، ونتيجة للهدوء الذي حل منذ عام 2006 وحتى عام 2023 سمح لكثير من الأهالي بناء البيوت أو توسعة بيوتهم القائمة، والتردد بشكل مستمر إليها”.
ويتابع أنه “حالياً وبسبب الظروف القائمة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أضحى الوضع مختلفاً تماماً عما كان عليه خلال الأعوام الماضية، فتحولت عيترون إلى إحدى قرى المواجهة وسقط منها 11 ضحية خلال الاشتباكات الجارية”.
ويوضح، “أما على مستوى عدم وجود السكان في عيترون فشأننا شأن المناطق الجنوبية الحدودية، إذ يقتصر الوجود داخل كل قرية على قلة قليلة من أهلها، وقد تأثرت المنظومة الاقتصادية بكاملها، سواء الزراعية أو التجارة الداخلية أو بما يتعلق بالنشاطات التجارية والاقتصادية الأخرى”.
وأشار مراد إلى أن ما يدعم الأهالي حالياً ومنذ نحو تسعة أشهر هو ما يقدمه “حزب الله” لهم من خدمات اجتماعية وصحية مختلفة وتأمين حاجاتهم على مختلف المستويات.
40 في المئة من الدمار في كفركلا
ويؤكد رئيس بلدية كفركلا (مرجعيون) حسن شيت أن عدداً كبيراً من الأهالي حضروا صبيحة عيد الأضحى إلى البلدة وأقاموا صلاة العيد في مسجدها، ثم زاروا قبور أحبتهم وتفقدوا ما حل بمنازلهم قبل أن يعودوا أدراجهم إلى حيث ينزحون.
ويضيف شيت أن “أهالي كفركلا لا يزالون نازحين، وسيبقون كذلك طالما أن الحرب مستمرة، وكانوا في مثل هذه الأيام ومع انتهاء المدارس يستقبلون القادمين من بيروت، حيث يأتي معظمهم لتمضية الصيف هنا ويبقون مدة شهرين أو أكثر ويشاركون في تحضير مؤونة الشتاء، وكذلك يحضر المغتربون لتفقد الأهل والأقارب”.
ويشير شيت إلى أنه من المعلوم أن عدداً كبيراً من المغتربين حضروا إلى لبنان خلال عطلة عيد الأضحى وبداية الصيف، لكنهم يزورون عائلاتهم في مناطق النزوح مع أنهم متعلقون بأرضهم وببلدتهم، ويحنون إليها باستمرار.
ويوضح شيت أن الوضع في كفركلا استثنائي وتتعامل الناس معه بكثير من الحذر، إذ إن ما تعرضت له البلدة سبب سقوط عدد من الضحايا المدنيين، وتضرر نحو 40 في المئة من الوحدات السكنية، ويمكن اعتبار معظم بيوت كفركلا متضررة جراء الغارات والقصف المدفعي والقذائف الحارقة والقنابل المضيئة والرمايات الرشاشة المباشرة من مستعمرة المطلة، مما يعني ألا بيت في كفركلا إلا ويحتاج إلى إعادة ترميم.
كامل جابر – اندبندنت عربي