الاحتلال يمحو معالم القرى الحدودية.. جريمة حرب موصوفة
مناطق – كامل جابر
بات واضحًا أمام جميع المراقبين لمجريات الحرب الإسرائيليّة على لبنان وجنوبه ما يقوم به جيش العدو الإسرائيليّ من عملية تجريف وتدمير للقرى الحدوديّة الأماميّة بحيث لم يبقِ بيتًا أو مبنى أو متجرًا أو مؤسّسة إلّا ومحاها عن بكرة أبيها، في كفركلا والعديسة ومركبا وحولا وميس الجبل وعيترون وبليدا وعيتا الشعب، فيما دكّت طائراته الحربيّة بأطنان من الصواريخ والقذائف الفتّاكة ساحات المدن والبلدات وتجمّعاتها السكنيّة والاقتصاديّة ومعالمها التراثيّة على نحو ما حصل في مدن النبطية وصور والخيام وبنت جبيل وغيرها من مدن البقاع وقراه وعاصمتيه بعلبك والهرمل.
تدمير ممنهج للحياة
أسهب الإسرائيليون في تعداد أسباب حربهم على “حزب الله” ودفع الجنوبيّين والبقاعيّين بالتهديد إلى مغادرة مدنهم وقراهم بشكل جماعيّ تحت عناوين مضلّلة، منها “لحمايتهم من آثار استهدافه لمواقع تابعة للحزب وأماكن تواجد ذخائره وصواريخه” لكن الحقيقة الدامغة التي تثبتها الوقائع أنّ جيش العدو يتعمّد عن سابق إصرار وتصميم تدمير بيوت الناس وحاراتهم ومصالحم وأسواقهم بشكل منهجيّ، بل ويلاحق الصامدين في بيوتهم المتواضعة فيهدمها فوق رؤوسهم ويطيح بجنى أعمارهم وأرزاقهم، حتى فاق تقدير المراقبين لحجم الدمار الحاصل بعد عام ونيّف من القصف المتواصل على القرى الحدودية الأماميّة ثم تجريفها بعد تفخيخها وما ينتهجه منذ شهر ونيف في قرى وبلدات الداخل، كلّ متوقع.
هذا الشكل من التدمير المنهجيّ للقرى والبلدات الجنوبيّة وملاحقة الناس الصامدين في بيوتهم أو إلى أماكن نزوحهم وتدمير البيوت والمباني فوق رؤوسهم دفع لبنان الرسمي إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن من ضمن سلسلة من الشكاوى التي يتقدّم بها لبنان بشكل متواصل منذ اندلاع هذه الحرب وتخطّي العدو الإسرائيليّ كلّ الأعراف والمحرّمات في استهداف المدنيّين وحيواتهم ومصالحهم.
شكاوى لبنانيّة للأمم المتّحدة
ففي إطار الشكاوى الدوريّة التي تقدّمها وزارة الخارجيّة والمغتربين بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتّحدة في نيويورك لتوثيق العدوان الإسرائيليّ على لبنان ووضع المجتمع الدوليّ ومجلس الأمن أمام مسؤوليّتهما من أجل التحرّك لوقفه، تمّ تقديم شكوى جديدة إلى مجلس الأمن بشأن اعتداءات إسرائيل على لبنان خلال الفترة من 15 ولغاية 24 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2024.
أدان لبنان في هذه الشكوى استمرار إسرائيل في عدوانها وتوغّلها البرّيّ العسكريّ داخل أراضيه، وارتكابها مزيدًا من المجازر بحقّ المدنيّين، وتدميرها بشكل متعمّد وواسع الممتلكات المدنيّة، وتفجير قرى حدوديّة وأحياء بأكملها في الجنوب مثلما فعلت في بلدتيّ ميس الجبل ومحيبيب، متذرّعةً باستهداف مخازن أسلحة أو مقرّات عسكريّة. كذلك أدان لبنان استهداف إسرائيل المتواصل للجيش اللبنانيّ الذي قـُتل ستّة من عناصره في بلدة ياطر وعلى طريق عين إبل– حانين، ولفرق الإسعاف والصحافيّين وقوّات اليونيفيل، وشنّها غارات على مقربة من مستشفيي رفيق الحريريّ الحكوميّ وبهمن، إضافة إلى استهدافها مبنى بلديّة النبطيّة التي قـُتل ستّة من أعضائها وموظّفيها من بينهم رئيس البلديّة، وقتلِها رئيسيّ بلديتيّ حناويه وسحمر بغارتين جوّيّتين، واستهدافها مدينة صور الأثريّة المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالميّ.
وأشار لبنان في الشكوى التي قدّمها إلى أنّ إسرائيل تتجاهل دائما الشرعيّة الدوليّة ولا تحترم القرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتّحدة، وأنّها لا تلتزم بالقانون الدوليّ أو القانون الدوليّ الإنسانيّ، متفلّتةً من المحاسبة والمساءلة من قبل المجتمع الدولي.
وصدر عن وزارة الخارجيّة والمغتربين اللبنانيّة، الأربعاء الماضي بيان أعلن فيه عن “تقديم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن الاعتداءات الإسرائيليّة على لبنان. ولفتت الشكوى إلى “الحوادث المأسويّة التي وقعت في بلدة أيطو ومنطقتي النويري ورأس النبع، حيث سقط مئات الشهداء والجرحى من المدنيّين”.
أدان لبنان في هذه الشكوى استمرار إسرائيل في عدوانها وتوغّلها البرّيّ العسكريّ داخل أراضيه، وارتكابها مزيدًا من المجازر بحقّ المدنيّين، وتدميرها بشكل متعمّد وواسع الممتلكات المدنيّة، وتفجير قرى حدوديّة وأحياء بأكملها في الجنوب
ولفت البيان إلى “استهداف إسرائيل لمحطّات نقل المياه، ومعبر المصنع الحدوديّ، وغاراتها على محيط قلعة بعلبك المدرجة على قائمة التراث العالميّ لليونسكو، بالإضافة إلى الهجمات على سوق النبطية التاريخيّة”. وأدان “سياسة التصفية والاغتيالات الممنهجة عبر الغارات الجويّة المباغتة في المدن والقرى والأحياء المكتظّة بالسكّان، دون أيّ اعتبار لحياة المدنيّين”.
تدمير عن سابق إصرار
ويشير العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش والذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود (2006- 2017) إلى أنّ “إسرائيل تدمّر القرى الجنوبيّة الحدوديّة عن سابق إصرار وتصميم لغايات كثيرة، أوّلها رغبتها في إنشاء منطقة عازلة قرب الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلّة وهذا نهج بدأته ليس من شهر فحسب، بل منذ بدأت تنفذ عدوانها على قرى المواجهة من تشرين الأوّل (أكتوبر) العام الماضي، إذ كانت تتعمّد تدمير البيوت ليس لأنّ ثمّة مقاومين فيها، بل لإنّها تريد تدميرها تنفيذًا لحلم قديم في جعل المنطقة الحدوديّة فارغة من سكّانها كي تحكم سيطرتها عليها متى أرادت”.
أمّا ثاني الأسباب برأي العميد بشرور “هو رغبتها القديمة الجديدة في قبض سيطرتها على منطقة جنوب الليطاني واحتلالها، وليس كما أعلنت أنها تريد إعادة سكّان المستعمرات الشماليّة إلى بيوتهم، وإلّا لماذا حشدت ستّ فرق عسكريّة في منطقة ضيّقة جدًّا، تعدّ كلّ فرقة منها 10 آلاف جنديّ تواكبها مدرّعات ودبّابات وأسراب من الطيران الحربيّ والمسيّر؟ هي الخطّة عينها التي بدأتها في حرب 2006 وفشلت فيها بعدما لاقت مقاومة شرسة كبّدتها خسائر فادحة بالعديد والمعدّات، ومنها دبّابات الميركافا التي كانت تعتبرها إسرائيل الدبّابة التي لا تقهر وقد دمّرت المقاومة عددًا كبيرًا منها في وادي الحجير التي سمّيت “مقبرة الدبّابات”، وهذا ما ألزمها الانسحاب ووقف عدوانها على لبنان وجنوبه بعد 33 يومًا من الحرب المفتوحة”.
وفي السبب الثالث يتناول العميد بشروش “فشل الهجوم البريّ الإسرائيلي الذي قرّره على لبنان في احتلال حتّى قرية واحدة بحدّ عينها، بعدما راح يتقدّم نحوها تحت وابل من القصف المدفعيّ وغارات الطيران الحربيّ، وكان كلّما حاول الدخول إلى أيّ قرية كان المقاومون يكبّدون القوّات المهاجمة خسائر جسيمة، وقد اعترف العدو بعشرات القتلى من جنوده والمصابين ولم يحقّق سوى تقدّم صوريّ يواكبه انتقامه من بيوت الناس ومصالحهم فراح يزنّرها بالأفخاخ ويدمّرها وينقل ذلك ببثّ حيّ، كي يمارس حربه النفسيّة على بيئة المقاومة من جهة، ولكي يقنع المستوطنين أنّه دخل إلى هذه القرى ودمّرها، لكنّه سرعان ما كان ينسحب تحت وطأة ضربات المقاومين يجرّ خلفه قتلاه وجرحاه والخيبة التي منعته من تنفيذ رغبته في السيطرة على منطقة جنوب نهر الليطاني”.
خسائر لا تقدّر
تؤكّد الصور وأخبار والقصف المدفعي المتواصل والغارات المتكرّرة على قرى المواجهة الأماميّة ابتداءً من أعالي كفرشوبا، مرورًا بالخيام وكفركلا والعديسة والطيبة ومركبا وحولا وميس الجبل وبليدا وعيترون ومارون الراس ويارون وعيتا الشعب وصولاً إلى الناقورة آخر الساحل اللبنانيّ الجنوبيّ، وكذلك في بعض بلدات الخط الثاني والثالث الخلفيّين، حقيقة الدمار والخراب الذي حلّ بها، بما يفوق الـ50 والـ60 والـ70 في المئة، ولم يسبق وأن شهدت هذه المناطق الجنوبيّة مثل هذا النهج من التدمير الكلّيّ الحادّ المتعمّد، ليس في حرب العام 1978 أو اجتياح 1982 وحروب 1993 و1996 و2006 أو ما مرّ من حروب كبيرة أو صغيرة.
أمّا ما بقي قائماً من المنازل والوحدات السكنية والإسمنتية فهو يعاني من تصدّع وأضرار جسيمة، ما يفضي إلى أنّ العدو الإسرائيليّ أعدم الحياة فيها إلى سنوات طويلة تحتاجها من إعادة الإعمار وتكوين الرأسمال المحلّي الجنوبيّ بعد تدمير المصالح التي كانت تشكّل مصادر دخل السكّان وعيشهم، من أسواق ومزارع ومعامل ومؤسّسات تجاريّة ومحال ودكاكين وحقول زراعيّة وثروات بيئيّة وحرجيّة، يضاف إليها ما تحتاجه المناطق الجنوبيّة من أعوام طويلة كي تتخلّص من السموم التي أطلقتها إسرائيل من خلال قذائفها وصواريخها الفوسفوريّة والحارقة التي تؤكّد الدراسات والتحليلات العلميّة سمومها التي تمسّ التربة والبيئة لسنوات طويلة.
تداعيات بيئيّة خطيرة
ويرى رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس أنّه ممّا لا شكّ فيه “أنّ سياسة التفجيرات الواسعة التي يعتمدها الاحتلال تحمل مخاطر وتداعيات بيئيّة خطيرة في المناطق المستهدفة والمحيط، من بين ذلك تدمير الغطاء النباتيّ ومعالم المواقع الطبيعيّة على امتداد عشرات الأمتار الأمر الذي يؤدّي إلى فقدان الموائل لعديد من الأنواع. وأنّها تسبّب تلوّث التربة والمياه بمكوّنات المواد المتفجّرة مثل النترات والمركّبات السامّة الأخرى، ممّا يفضي إلى تدهور جودة التربة والمياه، وهو ما يطال أنواعًا نباتية وحيوانيّة مختلفة، كذلك ويؤثّر في الزراعة المحلّيّة ومصادر الشرب.”
يضيف: “إضافة إلى أنّ هذه التفجيرات تسبّب في تلوث الهواء نتيجة انتشار المواد السامّة والدخان وربّما تحملها الرياح إلى مسافات أبعد من نطاقها الأساس مّما يزيد في نطاق الضرر، وتودي سمومه وتفاعلاتها بعديد من الأنواع وبالأخصّ الطيور والمجتمعات الحشريّة والملقّحات، وهذا سوف يحمل تداعيات بيئيّة إضافيّة بالنظر إلى الوظائف الحيوية للملقّحات”.
ويشير يونس إلى أنّ هذا “ينقلنا، بالمحصّلة، إلى الإجهاد البيئيّ الناتج عن مجموع هذه التداعيات المركّبة على النظم البيئيّة والتي تحتاج إلى وقت غير قصير للتعافي، ممّا يزيد من الضغط على هذه النظم البيئيّة المحلّيّة التي كانت تعاني بالأصل من آثار الاستخدام المكثّف لقنابل الفوسفور الأبيض والحارق طوال الأشهر الماضية، والذي قضى على مساحات واسعة من الأحراج والأراضي الزراعيّة وأوجد حالة من الاختلال البيئيّ يرقى إلى الإبادة البيئيّة .
ويتوقّع الخبير البيئيّ يونس أن تؤثّر بعض التفجيرات بكميات كبيرة من المواد المتفجّرة كالتي استخدمت في محيط بلدة العديسة، بقوة 400 طن، في البنية الجيولوجيّة للأرض، وهذا يجعلنا أمام خطر الانهيارات وتغيير معالم المواقع، خصوصًا أنّ تلك التفجيرات على وجه الخصوص بما يعكس حجمها أدّت إلى تفعيل أجهزة رصد الهزّات في الجليل، وهذا يحتاج إلى مراجعة وتقييم من قبل المتخصّصين للوقوف على تقدير التأثير”.
ما بقي قائماً من المنازل والوحدات السكنية والإسمنتية فهو يعاني من تصدّع وأضرار جسيمة، ما يفضي إلى أنّ العدو الإسرائيليّ أعدم الحياة فيها إلى سنوات طويلة تحتاجها من إعادة الإعمار وتكوين الرأسمال المحلّي الجنوبيّ
لا إمكانيّة لإحصاء الدمار
بعد أكثر من شهر من التدمير المنهجيّ المتعمّد من العدو الإسرائيليّ، لا تستطيع أيّ جهة رسميّة أو حكوميّة أو بلديّة أو محلّيّة تحديد حجم الأضرار المترتّبة عن هذا العدوان الذي تجاوز الـ 13 شهرًا متواصلًا، وارتفعت حدّته منذ أكثر من شهر، خصوصاً بعدما هجّرت إسرائيل مجمل سكّان هذه البلدات والقرى ولم يبقَ فيها غير المدافعين عنها.
وبانتظار جلاء غبار العدوان والتدمير لإجراء مسح ميدانيّ سيكون صعبًا للمرّة الأولى في تاريخ العدوان الإسرائيليّ المتكرّر على لبنان منذ 76 عامًا، تاريخ احتلال فلسطين العام 1948، إذ لم تكتفِ قوات العدوّ، في هذ العدوان، بما أحدثته من تدمير من الجوّ وتفجير من الأرض، خصوصًا في قرى المواجهة الحدوديّة، بل استقدمت جرّافاتها الضخمة وقامت بتجريف البيوت ومحو آثارها كلًيًّا مع مختلف البنى التحتية من مياه وكهرباء وطرقات وشبكات الهاتف والمجاري والريّ، ناهيك بالثروة النباتيّة والحرجيّة والأشجار المثمرة.
الاحتلال يرتكب جريمة حرب
وتحت عنوان “الاحتلال يرتكب جريمة حرب تتمثّل بالتدمير غير المبرّر والممنهج في الجنوب” رأت “الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان” المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب في بيان، أنّ “العمليّة العسكريّة الإسرائيليّة الرامية إلى إحداث منطقة عازلة على طول الحدود في جنوب لبنان، وبمسافة تقدّر بنحو خمسة كيلومترات من الخطّ الأزرق، تشكّل جريمة حرب تتمثّل في التدمير غير المبرّر والممنهج للمساكن المدنيّة والأعيان العامّة”.
ولفتت الى أنّ “الجيش الإسرائيليّ، مستخدمًا الغارات الجوّيّة والجرّافات والتفجيرات المتحكّم فيها يدويًّا، دمّر المباني المدنيّة بشكل غير قانونيّ وسوّى أحياء كاملة بالأرض، بكلّ ما فيها من منازل ومدارس ومساجد وكنائس ومزارات ومواقع أثريّة، إضافة إلى تجريف الأراضي الزراعيّة وشبكات المياه ومحطّات تحويل الطاقة ومحطّات الطاقة الشمسيّة والآبار الارتوازيّة”.
وأعلنت أنّه “من خلال تحليل صور الأقمار الصناعيّة ومقاطع الفيديو التي نشرها الجنود الإسرائيليّون على وسائل التواصل الاجتماعيّ خلال الفترة بين تشرين الأوّل 2023 وتشرين الأوّل 2024، تمكّن فريق رصد انتهاكات القانون الدوليّ الإنسانيّ في الهيئة بالتعاون مع عدد من الخبراء من تحديد عدد من المواقع التي تعرّضت لتدمير غير مبرّر والممنهج في ثماني قرى لبنانيّة على الأقل. وفي بعض مقاطع الفيديو، يظهر الجنود الإسرائيليّون وهم يتهيّأون لالتقاط الصور احتفالًا بالتدمير بينما تهدم المباني في الخلفيّة”.
واعتبر مفوّض الشكاوى في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان علي يوسف أنّ “الحملة المستمرّة للتدمير التي ينفّذها الجيش الإسرائيليّ في جنوب لبنان هي جريمة حرب، حيث كشفت الأبحاث والتقارير الإعلاميّة وتقارير عديد من مراكز البحوث التقنيّة، إلى جانب مقاطع الفيديو، عن قيام القوّات الإسرائيليّة بإزالة المباني السكنيّة بشكل كامل، في خطوة تهدف إلى جعل مناطق واسعة غير قابلة للسكن”.
تدمير محيبيب
وأوضح أنّه “في ثماني قرى شملتها تحقيقات الهيئة الوطنيّة لحقوق الانسان، هي: يارون ومارون الراس وعيتا الشعب ومحيبيب وكفركلا والعديسة وحولا وعيترون (بين قضاءي مرجعيون وبنت جبيل)، نفّذت عمليّات التدمير بعد أن أصبحت تلك المناطق خاضعة للسيطرة العمليّاتيّة للجيش الإسرائيلّي من خلال التقدّم البرّيّ والغارات التي نفّذها سلاح الجوّ والطائرات من دون طيّار والدرون ومن خلال القصف المدفعيّ، الأمر الذي يعني أنّها لم تنجم عن قتال مباشر بين الجيش الإسرائيليّ وحزب الله. وفي هذه الأجزاء من جنوب لبنان، هدمت المنشآت بصورة متعمّدة وممنهجة”.
ويشير البيان الى أنّ “القوّات الإسرائيليّة دمّرت معظم قرية محيبيب (مرجعيون) في الـ 16 من تشرين الأوّل الجاري من خلال سلسلة من الانفجارات، وفقا لمقاطع فيديو تمّ التحقّق منها وصور الأقمار الصناعيّة التي نشرتها عّدة صحف بينها صحيفة نيويورك تايمز الأميركيّة. تمّ هدم نحو 20 مبنى في محيبيب، التي تبعد نحو كيلومتر ونصف عن الخطّ الازرق”.
تدمير يارون ومارون الراس
وأوضح أنّه “على مدار أسبوع كامل، قام الجيش الإسرائيليّ بتسوية أجزاء كبيرة من قريتي مارون الراس ويارون (قضاء بنت جبيل)، والتي تظهر في فيديو صوّره الجيش الإسرائيليّ… ولاحظ البيان أنّ “معظم سكّان القرى الحدوديّة غادروا منازلهم منذ اندلاع المواجهات في تشرين الأوّل 2023. وقبل بدء العمليّة البرّيّة التي تنفّذها قوّات الاحتلال الإسرائيليّ، أدّت الضربات الصاروخيّة طوال عام كامل إلى إلحاق أضرار بقرية يارون، كما تظهر صور الأقمار الصناعيّة من الصيف. ولكن صور الأقمار الصناعيّة الجديدة تظهر دمارًا جديدًا منذ بدء العمليّة البريّة، حيث تمّ تدمير جزء كامل من يارون بعد أن قامت المركبات العسكريّة الإسرائيليّة بتدمير المنطقة”.
وأوضح البيان أنّه “في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، الذي شهد قصفًا عنيفًا وغارات كثيفة وعمليّات برّيّة ترافقت مع نسف مبانٍ وتجريف أراضٍ وتدمير أعيان مدنية، أصبح من الواضح أن المباني المدمرة أكثر ممّا كان من قبل. ويبدو أن مساحات كبيرة من الأرض قد احترقت أيضًا في مارون الراس وعيتا الشعب (بنت جبيل) .”
وذكر أنّه “يمكن رؤية مشاهد مماثلة للدمار، بما في ذلك المباني التي سوّيت بالأرض حديثًا ومنطقة مدمّرة، في قرية مارون الراس المجاورة، حيث كانت المركبات العسكريّة الإسرائيليّة مرئيّة أيضًا. وبدا أنّ مزيدًا من المباني قد هدمت حديثًا، كما سوّي جزء من القرية بالأرض. ومن بين المناطق التي سوّيت بالأرض “حديقة إيران” التي تضمّ مسجدًا يتماثل في التصميم مع المسجد الأقصى المبارك في القدس”.
تدمير عيترون
وأشار الى أنّ “مقطع فيديو تمّ تداوله على وسائل التواصل الاجتماعيّ، بتاريخ الـ 28 تشرين الأوّل الجاري يظهر ما يبدو أنّه انفجار متحكّم فيه فجّر الجيش الإسرائيليّ بواسطته منازل في بلدة عيترون (بنت جبيل) جنوبيّ لبنان، وهو ما يثبت أنّ أعمال التدمير غير المبرّر والممنهج تستند إلى خطّة محكمة تنفّذها فرق الجيش الإسرائيليّ بقدر ما تتوسّع في المساحة التي تسيطر عليها برّيًّا بمعزل عمّا إذا استقرّت فيها أو انسحبت على وقع ضربات المقاومين”.
لجنة تحقيق دوليّة؟
وأكّد أنّ “القانون الدوليّ الإنسانيّ يضع قيودًا صارمة على تدمير ممتلكات العدوّ في النزاعات المسلّحة. فلا يسمح بذلك إلّا في حالة الضرورة العسكرية القصوى، كما يمنع استهداف المنشآت المدنيّة بشكل مباشر (…) ويستثنى من حظر تدمير الممتلكات الحالات التي تفرضها الضرورة العسكريّة القصوى، بشرط أن يخدم التدمير هدفًا عسكريًّا مشروعًا ويراعي مبدأ التناسب”.
وكرّرت الهيئة طلبها إلى “المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، الدعوة إلى انعقاد دورة استثنائيّة لمجلس حقوق الإنسان بشأن الحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في لبنان، على أن يعتمد هذا المجلس قرارا ينشئ على وجه السرعة لجنة تحقيق دوليّة مستقلّة مستمرّة للتحقيق داخل لبنان في جميع الانتهاكات للقانون الدوليّ الإنسانيّ وجميع الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدوليّ لحقوق الإنسان التي سبقت الـ 22 من أيلول(سبتمبر) 2024 ووقعت منذ هذا التاريخ”.
ووجّهت الهيئة “دعوات عاجلة للإجراءات الخاصّة التابعة لمجلس حقوق الإنسان لتشكيل وفد من عدّة مقررين خاصّين لزيارة لبنان، بهدف إجراء تحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ التي ارتكبت جراء العدوان الاسرائيلي على لبنان”.