تقارير

الحياة بعد الحرب… وكأن قنبلة هيروشيما هزت جنوب لبنان

اندبندنت عربية – كامل جابر 

يشبه الأهالي العائدون إلى قراهم في جنوب لبنان ما حصل فيها خلال الحرب بالزلزال، نظراً إلى حجم “الكارثة” التي حلت بديارهم والدمار الواسع والمنتشر وشبه الشامل لأحياء بأكملها وكذلك للأوساط والأسواق الاقتصادية والصناعية والزراعية فيها.

يبذل أبناء قرى الحافة الحدودية في جنوب لبنان، والتي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، دماءهم ومزيداً من المخاطرة في سبيل عودتهم إلى بلداتهم بعد نزوح قسري دام نحو عام وأربعة أشهر، فيما تواجههم القوات الإسرائيلية المتمترسة في أجزاء منها بالنار والرصاص لمنعهم من العودة لا سيما بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً المقررة لانسحابها في الـ 26 من يناير (كانون الثاني) الماضي وتمديدها إلى الـ 18 من فبراير (شباط) الجاري، مما أدى إلى سقوط حوالي 25 قتيلاً بينهم نساء وأكثر من 90 جريحاً من أبناء القرى والبلدات الحدودية والجنوبية.

لكن العائدين إلى قراهم بعد الانسحاب الإسرائيلي منها وانتشار الجيش اللبناني من ضمن مهامه في تنفيذ بعض بنود القرار الأممي (1701) ذهلوا من حجم الدمار الهائل الذي خلفه الجيش الإسرائيلي فيها، حيث قصف تلك المناطق بأطنان من القذائف والصواريخ التي ألقاها سلاح الجو أو المدفعية الثقيلة بعيدة المدى أو قذائف الدبابات، ناهيك بأعمال النسف والتفجير والتجريف التي دمرت مئات المنازل والأحياء السكنية ومباني المؤسسات التجارية والمدارس والمواقع الدينية من مساجد وكنائس ونواد “حسينية” والقضاء على البنى التحتية من شبكات طرقات ومياه وكهرباء واتصالات وصرف صحي مما جعل الحياة في هذه البلدات مستحيلة في المدى المنظور.

“زلزال” في القرى الحدودية

يشبه الأهالي العائدون إلى قراهم ما حصل فيها بالزلزال، نظراً إلى حجم “الكارثة” التي حلت بديارهم والدمار الواسع والمنتشر وشبه الشامل لأحياء بأكملها وكذلك للأوساط والأسواق الاقتصادية والصناعية والزراعية فيها، وقد غدت سلسلة من أكوام متناثرة غيبت الطرقات وحدود المنازل والأملاك العامة والخاصة. ويجمع عديد من رؤساء بلديات هذه القرى على أنها باتت تحتاج إلى إعادة تعمير من الجذور، أي إعادة تأسيس الشبكات الخدماتية من نقطة الصفر، إذ إن عملية نسف البيوت والأحياء وما تلاها من تجريف للطرقات والمنشآت لم تبقِ على شيء من البنى الأساسية، التي ستعوق العودة إليها في القريب العاجل، في الأقل، قبل عودة المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي.

دخلت “اندبندنت عربية” إلى مدينة الخيام جارة مرجعيون، التي دارت فيها وحولها معارك عنيفة بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي “حزب الله” على مدى أكثر من شهرين وتعرضت لمئات الغارات من الطيران الحربي والطائرات المسيرة والقصف المدفعي المتواصل.

وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد أعلنت الخميس الـ 12 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 “أن الجيش الإسرائيلي سحب قواته من بلدة الخيام جنوب لبنان الأربعاء الـ 11 من الشهر النفسي”. وذكرت الهيئة أن “المرحلة الأولى انطلقت من اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، إذ انسحب الجيش الإسرائيلي من بلدة الخيام، حيث انتشر فيها الجيش اللبناني وقوات يونيفيل (الأمم المتحدة)”. وتابعت أن “قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا وصل إلى لبنان، وشاهد من مقر قيادة تطبيق الاتفاق، دخول القوات اللبنانية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من البلدة”.

بدوره، قال الجيش الإسرائيلي عبر منصة “إكس”، “أنهى اللواء السابع صباح الأربعاء مهمته في بلدة الخيام بجنوب لبنان”. وأضاف، “وفق تفاهمات وقف إطلاق النار، وبتنسيق من الولايات المتحدة، يتم نشر جنود من القوات المسلحة اللبنانية في المنطقة مع قوات يونيفيل”.

أهمية استراتيجية

تقع بلدة الخيام في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية وهي جارة عاصمة القضاء من ناحيتها الشرقية. تبعد عن “الخط الأزرق” الفاصل بين لبنان وإسرائيل نحو خمسة كيلومترات، وهي واحدة من ثلاث بلدات (الخيام وشمع وبنت جبيل) سعى الجيش الإسرائيلي قبل الـ 28 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 إلى السيطرة عليها نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية. وكانت أكبر هذه المحاولات في الـ 20 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 عندما تقدم الإسرائيليون من ثلاثة محاور باتجاهها تحت وابل من القصف العنيف من الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة.

ورأى رئيس بلدية الخيام المهندس عدنان عليان أن “دوافع إسرائيل لاحتلال الخيام تعود إلى سببين رئيسين، أولهما موقعها الاستراتيجي من ارتفاع نحو 700 متر عن سطح البحر المطل على القطاع الشرقي من لبنان وعلى سهل الحولة في فلسطين ومستوطنة المطلة القريبة من سهل الخيام وعلى قلعة الشقيف (بوفور)، وثانيهما انتقاماً من البلدة التي واجهته في عدوان عام 1978 وصمدت بوجهه إبان كل حرب وعدوان وفي حرب يوليو (تموز) 2006 حيث شهد سهل الخيام على (مجزرة الميركافا)، حيث أحرقت نيران المدافعين عن الخيام وجاراتها هذه الدبابات التي حاولت التقدم نحو الخيام ودمرتها جميعاً”.

الدمار “زلزالي” في الخيام

يؤكد رئيس البلدية عليان أن “جيش العدو دمر ما يقارب 15 في المئة من أبنية الخيام التي تحتوي على نحو ستة آلاف وحدة بنائية تنتشر من وسطها المرتفع نحو أربع جهات تنحدر تدريجاً نحو سهول تحوطها من مختلف الجهات وتبلغ مساحتها الإجمالية 22.19 كيلومتر مربع. لكن حجم الدمار يظهر بقسوة وزلزالي عند الدخول إلى وسطها السكني والاقتصادي الذي تعرض لعملية تدمير منهجي انطلاقاً من معتقل الخيام الذي يقع في جهتها الجنوبية وصولاً إلى حي الجلاحية في الجهة الشمالية، بمسافة نحو كيلومترين اثنين على جانبي الطريق الرئيس للمدينة والطرقات المتفرعة نحو الشرق أو الغرب بمسافة نحو 300 متر، خصوصاً بعمليات النسف والتفجير التي كررها العدو في أكثر من بلدة وقرية حدودية”.

وذكر عليان أن الجيش الإسرائيلي “لم يوفر في استهدافاته وتفجيراته المباني المدرسية والمكتبة العامة التراثية التي تحتوي على أكثر من 11 ألف كتاب ودُمرت بالكامل، والمراكز الصحية ومنها مركز مؤسسة عامل الدولية والنوادي الثقافية والاجتماعية والمسجد الكبير والكنائس الأربع القديمة التي بنيت كلها منذ أكثر من مئة عام والنادي الحسيني”.

ومضى في حديثه، “يضاف إلى ذلك كله أنه قضى على البنى التحتية بأكملها، أي على شبكات الطرقات والصرف الصحي والمياه والكهرباء والاتصالات، وهذه جميعها دمرت بالكامل وتحتاج إلى تأسيس وبناء من جديد إذ لا تنفع عمليات الترميم بعد تجريف الطرقات وما تحتويه على شبكات الخدمات العامة، مما يجعل العودة إلى الخيام وسكن الناس فيها صعبة جداً قبل أن تباشر مؤسسات الدولة بإعادة بناء وتعمير هذه الخدمات”.

الإرادة والعودة هما الأهم

وعن بدء عودة الناس إلى قراها على رغم عدم تحقيق انسحاب إسرائيلي تام منها، قال النائب في البرلمان اللبناني عن قضاء مرجعيون (في محافظة النبطية) طبيب العيون إلياس جراده، “نحن شعب نصنع من ركام بيوتنا وحطامها خيماً للإنسانية وللصمود وللمستقبل، حتى لو كانت العودة إلى قرانا رويداً رويداً، وإنما لتكريس العودة النفسية والمعنوية والبشرية وأن نتواجد فيها هو الأهم لأن إذا لم نرجع اليوم لن نستطيع أن نرجع لاحقاً كي نعمر من جديد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى