ابن النبطية الحاج ناصر مُزارع مغامر: “يلّي ما بيزرع بيموت من الجوع”
مع دخول الأزمة المعيشية مرحلة خطرة، راحَ كُثر يبحثون عن سبلٍ لمواجهتها. بطبيعة الحال، فكرَ البعض في إحياء حِرف قديمة، والبعض الآخر لجأ الى البيع online، والذي راج بشكل لافت في الفترة الأخيرة.
مع بدء انتشار جائحة كورونا قبل عامين، عَمد العديد من أبناءِ القرى الجنوبية إلى زراعة «حواكيرهم» الصغيرة، خضاراً وبقوليات، ظناً منهم أنّ الزراعة ستنقذهم من الأزمات المقبلة، غير أنهم إصطدموا، بعوائق جمّة، تبدأ بانقطاع المياه، ولا تنتهي بغلاء الأسمدة والبذار، مروراً بارتفاع كلفة حراثة الأرض… عوامل أدّت إلى توقّف العديد من الأهالي مجدداً عن الزراعة.
غيرَ أنَّ ناصر رضا الرجل الستيني، إبن بلدة النبطيّة، رفض الإبتعاد عن الزراعة، رغم يقينه أنها مغامرة، قرر الإستثمار فيها، ولكن على طريقته. لم ينتظر دعم وزارة الزراعة له ولا لصغار المزارعين، فالدعم مفقود هنا. يدرك أنّ الزراعة اليوم في مأزق، لذا وضع خطة زراعية محكمة، تقيه شراء الأسمدة وغلاء البذار. بدأ بزراعة المحاصيل البعلية من ناحية، وإنتاج بذاره المؤصّلة بنفسه، إلى جانب إعتماده السماد العضوي، ما جعله يندفع نحو زراعة عشرات الدونمات في بلدة شوكين، بين قمح وعدس وبقوليات، إلى جانب زراعة الخضار الشتويّة كالبقدونس والخسّ والفجل وغيرها داخل خيمة بلاستيكيّة.
بين اقتلاع الفجل وقصّ الكزبرة يمضي الحاج ناصر معظم وقته. فهو الذي كان يعتبر الزراعة هامشية، يعتمد على مشتل للزهور في حياته. بيدو أنّه وجد نفسه يتخذ الزراعة مصدر رزقه، يؤمّن عبره مصاريف جامعة أولاده ومتطلّباته اليوميّة، وهذا ما كان ليحصل بحسب رضا «لولا اعتمادي على الزراعة العضوية وتوفير ثمن البذار الذي يعادل ثمنه كلفة الإنتاج».
عزّز رضا مشروعه، طوّره، كما يسعى ليتوسّع فيه أكثر، انطلاقاً من قاعدة «يلي ما بيزرع بيموت من الجوع»، وعينه على دعم ولو محدود من وزارة الزراعة لتشجيع الزراعة أكثر.
من دون شك، تقلّصت المساحات الزراعيّة، بيد أنّ الحاج رضا واظب على زراعة أرضه، لأنها سنده، يبذر حقوله الواسعة شتى البقوليّات والحبوب، فهذه بمثابة «قرشه الأبيض» لأيّامه المقبلة، لم يلتفت لخسائر الزراعة، فهي باتت خلفه، بالنظر إلى اعتماده على سماد عضوي، وبذاره من نتاجه، وهو ما وفَّر عليه الكثير، وجعل من إستمراريّته واقعاً.
خلف ضحتكه، يخبئ حالة القلق من الآتي، ضمن مورداً زراعياً في يده، غير أنّه يقلق من المجهول القادم، يجزم أنّ إنتاجه يضاهي خضار السوق التي تشهد إرتفاعات متتالية. يؤمن بنظرية السعر الموزون، والربح القليل، لافتاً إلى أنّ الزراعة ستكون قوّة في القادم من الأيام، شرط أن تتوفر لها المياه والدعم، أو التركيز على الزراعة البعليّة لتفادي شراء المياه.
المغامر كما يصف نفسه، يرى أنّ الزراعة تساوي ضمان أمننا الغذائي، ومن دونها قد نشهد أيام قحط بسبب تدهور العملة. يعتمد الحاج ناصر على نفسه في الزراعة، لأنّ كلفة اليد العاملة مرتفعة، يتعاون مع أحد أقربائه في العمل، يزرعان، يهتمان بالدجاج والأشجار المثمرة، فيما المحصول يجري بيعه في سوق الإثنين الأسبوعي في النبطية. ويشهد منتوجه إقبالاً لأنّه وفق رضا «صحيّ، خالٍ من الأسمدة الكيماوية».
نجح رضا حيث فشلت الدولة، أثبت أنّ المبادرات الفردية هي ركيزة التقدّم ومن دونها نتجه نحو الحضيض. من هنا يدعو كلّ الناس للمغامرة في الزراعة لأنّه صمّام أمان ثابت في مواجهة ما ينتظرنا…
نداء الوطن – رمال جوني