تقارير

مدينة “النبطية” تضيء شعلة أمل بعد همجية الاحتلال

خاص شفقنا- بيروت
لا شكّ أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت همجية ودموية بشكل يعجز اللسان عن وصفه، وهي لم تفرّق بين حجر وبشر، وقد يحتاج اللبناني وقتا طويلا للتعافي من مشاهد المجازر التي عاينها طوال فترة العدوان، والتي طالت كل المناطق اللبنانية المستهدفة، أبرزها مدينة النبطية التي تعد الشاهد الأوّل على عنجهية الاحتلال منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلّا أنّه في هذه الحرب الأخيرة صبّ جام حقده بطريقة غير مسبوقة، موقعا المجازر بين المدنيين العزّل، ومستهدفا السوق التجاري للمدينة، في محاولة لطمس تراثها العريق، ممّا دفع أبناء المدينة إلى المسارعة بعد وقف إطلاق النار من خلال التكاتف للنهوض من جديد بالمدينة، عبر إنشاء سوق مؤقّت بديل للسوق التجاري، لحين إعادة إعمار ما تهدّم.

“النبطية عاصمة جبل عامل”

المدير التنفيذي في النادي الحسيني لمدينة النبطية مهدي صادق لفت في حديث خاص لوكالة “شفقنا”، في لمحة تاريخية تجارية، أنّ سوق النبطية هو من الأسواق التي تمتد في التاريخ إلى مئات السنين، فقبل العدوان كان لا يزال هناك بعض المحال التي تشير إلى هذا المعنى كشكل، من محال عقد الصخر والقناطر القديمة التي كانت لا تزال موجودة في المربع الأساسي للمدينة، والنبطية تاريخيا موجودة على خط التجارة الذي يربط الساحل اللبناني والداخل بفلسطين، حيث مرّت كل الحركة التجارية عبرها، إضافة إلى الخانات، ومن الأسواق المعروفة اليوم والممتدة منذ مئات السنين هو سوق الإثنين، وقبل منه كان سوق “الغلة”.

واعتبر صادق أنّ الاحتلال صبّ غضبه على المدينة لما تشكّل من رمزية لمركز المحافظة كعاصمة جبل عامل، كما أنّ النبطية معروفة بأنّها التي أطلقت شرارة المقاومة في سنة 1983 في العاشر من المحرم، حيث انطلق جموع المحتفين في ذكرى عاشوراء لحرق ملالات وآليات الاحتلال، في حادثة مجيدة خلّدها تاريخ المقاومة في لبنان، إضافة إلى أنّ المدينة تعنونت بعنوان سيد الشهداء (ع) واسمها “مدينة الحسين” و”كربلاء الثانية”، وهذه العناوين كانت سبب رئيسي في أن يستهدفها الإسرائيلي.

سوق تجاري مؤقّت دعما للتجّار وحفاظا على حركة المدينة:

بالانتقال إلى السوق المؤقّت الذي أعلن عنه صادق في مؤتمر صحفي، أشار إلى أنّه بعد العودة ورؤية الضرر الكبير الحاصل، اتفق الأهالي على وجوب التدخّل السريع كي لا تفقد المدينة ثقلها الاقتصادي، ويفرغ الوسط التجاري من المحال ومن الحركة الاقتصادية، وإلى حين انتظار الإعمار الذي سيأخذ سنين لعودة الأمور إلى طبيعتها، يجب أن يكون هناك إجراء سريع يحافظ على حيوية هذا المربع من ناحية، ومن ناحية ثانية هناك التجار الذين فقدوا أرزاقهم، إذ يتجاوز عدد المحال حوالي 100 متجر، يعني بحدود 100 أسرة، أي آلاف الأشخاص الذين يعتاشون من التجارة فقدوا أرزاقهم، هؤلاء بحاجة للمساندة بشكل سريع حتى يتمكّنوا من مواصلة حياتهم على المستوى المعيشي.

وتابع صادق: “هذه الأسباب كانت دافعة لنا قبل وقف إطلاق النار على التفكير بما يجب القيام به في اليوم التالي لوقف العدوان، فتم التواصل مع الأفرقاء وكانت فكرة إنشاء السوق في ساحة الإمام الحسين وبيدر النبطية، الذي يعد موقعه ملائم جدا لالتصاقه بالسوق القديم، بالتالي لن ينتقل التاجر ولا المستهلك إلى موقع آخر، بل سيبقيان ضمن المربع، وهكذا تبقى النبطية مقصد الناس”.

وأضاف: “تواصلنا أوّلا مع مكتب المرجعية الدينية في بيروت ممثّلا بالحاج حامد الخفاف، الذي أيّد الفكرة وكان الدعم بمساهمة وازنة، كذلك كان التواصل مع دولة الرئيس نبيه بري الذي بدوره أيّد المبادرة أيضا وساهم فيها، إضافة إلى مجموعة من الخيّرين الغيارى من أبناء البلدة، الذين تبنّوا المشروع وشكّلوا خلية تواصل فيما بينهم واستكملوا التكاليف، وشاركوا من خلال مهندسين مختصّين بالتصميم الغرافيك على مستوى عالمي، هؤلاء تطوّعوا لرسم السوق وقيام حملة إعلامية كاملة متكاملة، وكما هو متوقّع ستكون النتيجة مرتّبة”.

الجدير بالذكر أنّ هذه المبادرة تعني أصحاب المؤسسات التي دمّرت بالكامل أي غير القابلة للترميم، حيث أفاد صادق أنّ: “المحلّات غير القابلة للترميم هي حوالي تسعين محال، وهذا هو العدد الذي يستوعبه المشروع، إضافة إلى مواقف لسيارات مساحتها حوالي 3000 متر، من أجل تأمين مواقف للناس التي ستقصد السوق المؤقت، كما سيكون هناك مساحات لألعاب الأطفال ومساحات للمطاعم، للتحفيز أكثر على القدوم ورفع حركة التجارة وبالتالي نجاح المشروع”.

وفاء حريري – شفقنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى