تقارير
3 وفيات بتوقف القلب المفاجئ في غضون أسبوع… ماذا يقول الأطباء؟
توقّف قلب الطالب عبد الكريم محمد عبدلله إثر نوبة قلبية مفاجئة؛ استفاقت منطقة جبيل على فاجعة وفاة الشابة ابنة الـ20 عاماً نتيجة سكتة قلبية؛ #الموت المفاجئ يخطف الشابة سميّة الميس في بر الياس بعد توقّف قلبها بشكل مفاجئ… 3 عناوين عريضة تصدّرت المشهد في بداية شهر حزيران، ونعت شباباً تتراوح أعمارهم ما بين 16 و35 عاماً، بعد أن خذلتهم قلوبهم بشكل مفاجئ، فخلّفوا صدمة وحزناً في قلوب محبّيهم وعائلاتهم.
خسارة تلوى الأخرى، وحداد وسواد في مناطق مختلفة من لبنان، ولست حمانا وجبيل وبر الياس سوى عيّنات من المأساة التي أصابت لبنان، حيث الموت واحد، والسبب واحد “توقّف قلب مفاجىء”.
أسئلة كثيرة تصبح مشروعة في هذا المقام، ويفرضها المنطق، فيما القلب يرفض كلّ الإجابات، إذ يصعب على عائلات الراحلين ومحبّيهم تقبّل الخسارة، خصوصاً تلك التي تأتي على غفلة.
هل ازداد الموت المفاجئ في الآونة الأخيرة أم بتنا نسمع به أكثر نتيجة انتشار الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي؟
في 6 حزيران نعت ثانويّة مار أنطونيوس – حمّانا تلميذها وابنها الحبيب عبد الكريم محمد عبدالله، الّذي توفّي إثر نوبة قلبيّة مفاجئة. وفي 7 حزيران، نعت الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – الفرع الرابع الموظفة سميّة الميس التي توفيت بعد توقف قلب مفاجئ.
وفي 8 حزيران، استفاقت منطقة جبيل على فاجعة وفاة ابنة الـ٢٠ عاماً، وذلك نتيجة سكتة قلبيّة. الأمر الذي دفع بمؤسّسة ميشال ضاهر بالشراكة مع جمعية “قلب ريمي ربيز” بإطلاق حملة للكشف عن مشكلات #كهرباء القلب.
ولكن قبل عبد الكريم وسميّة، توفيت باسكال محاسن ابنة الـ26 عاماً في عيد ميلادها، بعد أن خذلها قلبها بشكل مفاجىء، وقبلها الشابة رومي نصر ابنة الـ18 عاماً، وقبلها الشاب جورجيو معوض ابن الـ26 عاماً الذي نام ولم يستيقظ، وقبل ذلك كانت الفاجعة برحيل شربل موراني ابن الـ10 سنوات، الذي خطفه الموت ع “غفلة”، وخذله قلبه بطريقة مفاجئة.
أسماء كثيرة ووجوه شابة كتبنا عنها بحزن وبدموع كثيرة، لم أكن أعرفها شخصياً إلا أن قصصهم أبكتنا. رحلوا جميعهم وتركوا سؤالاً واحداً “ماذا جرى لهم فجأة”؟
هل نحن أمام ظاهرة جديدة للموت المفاجئ أم أن هذه الحالات كانت موجودة، ولكننا لم نكن نسمع بها كثيراً؟ ما هي أسباب الوفاة المفاجئة؟ وكيف يشرح الطب ما يجري مع هذه الفئة الشابة التي لا تعاني من أي مشكلة صحية؟
في هذا الصدد، يؤكّد رئيس قسم القلب في مستشفى أوتيل ديو البروفسور ربيع عازار لـ”النهار” أن “غياب الإحصاءات في لبنان يمنع إجراء قراءة طبيّة تحليليّة لحالات الوفاة المفاجئة. ولكن في ظلّ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر صوراً وأخباراً لبعض الوفيات المفاجئة لدى الشباب تجعلنا نسمع أكثر بهذه الحالات المتفرّقة في لبنان. لذلك، كجواب علمي لا يوجد مؤشّرات تؤكد أو تشير إلى زيادة في حالات الموت المفاجئ، وإنما الذي اختلف اليوم هو القدرة على الوصول إلى المعلومة ومعرفتها بفضل وسائل التواصل الاجتماعي”.
وعن مدى تأثير اللقاح في ازدياد حالات الموت المفاجئ، يُشدّد عازار على أنّه “لا يوجد دليل علميّ وطبيّ يؤكد هذه الفرضية، وإلا لكنّا سمعنا بحالات كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي لا يُمكن ربط الموت المفاجئ باللقاح، ولا يوجد إثبات على أن التلقيح يؤدّي إلى توقّف مفاجئ في القلب، بل الدراسات تُثبت أنّ اللقاح قلّل من نسبة الاستشفاء والمضاعفات والعوارض الشديدة عند المرضى”.
إذن حتى اليوم لم تظهر أيّ دراسة أن اللقاح يُسبّب الموت المفاجئ، بالرغم من أن فيروس كورونا أدّى (متحوراته السابقة ألفا ودلتا) إلى تجمّد في الدم، الأمر الذي تسبّب في بعض الحالات بسكتة قلبيّة وأحياناً بموت مفاجئ”.
وبالعودة إلى أسباب الوفاة المفاجئة لدى الشباب، يشير رئيس قسم القلب في مستشفى أوتيل ديو إلى أن “هناك دراسة نُشرت منذ 3 سنوات في لبنان تتناول ظاهرة الذبحة القلبية عند الشباب، الذين هم دون الـ45 عاماً، وتبيّن أن السبب الأساسي وراء هذه الوفاة يعود إلى 3 عوامل أساسية:
– العامل الوراثيّ، وهو من الأسباب الرئيسية للموت المفاجئ عند الشباب.
– كثرة التدخين.
– الكوليسترول المرتفع.
يُضاف إلى الأسباب المذكورة عوامل أخرى مثل المخدرات والكحول (تناولها بإفراط)، والضغوطات (خسارة شخص عزيز أو خسارة عمل…) التي من شأنها أن تُسبّب ذبحة قلبيّة.
لذلك، تكون الوقاية خيراً من ألف علاج. وينصح عازار باعتماد نمط حياة صحيّ، والإقلاع عن التدخين، والحفاظ على وزن صحيّ، ويحثّ على عدم شرب الكحول، كما ينصح بإجراء بعض الفحوص لمراقبة الضغط ونسبة الكوليسترول والسكّري في الدم.
أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائليّ، أو حالات موت مفاجىء في العائلة، أو حالات إغماء وفقدان للوعي، فننصحهم بإجراء صورة وتخيطط للقلب.
من جهته، يشرح الاختصاصيّ في أمراض القلب والشرايين والمداخلات الطبية في مستشفى الرسول الأعظم الدكتور محمود عباس أن “كهرباء القلب تقريباً هي النتيجة النهائية للوفيات التي تُصيب الشباب، فيما الحالات التي تؤدّي إلى كهرباء القلب تختلف في ما بينها؛ فهناك على سبيل المثال أمراض التشوّهات الخلقيّة في داخل عضلة القلب، وهي من الأسباب الرئيسية للوفاة عند الشباب. هذه الحالات لم تشهد ارتفاعاً، وإنما إمكانيّة تشخيصها باتت موجودة وفاعلة أكثر، بل متاحة أكثر ممّا كانت عليه في السّابق.
ولكن اللافت اليوم هو تأثير جائحة #كورونا على المشكلات القلبية وزيادتها عند بعض الأشخاص، سواء نتيجة الإصابة بكورونا أو نتيجة التلقيح، إذ يشير عباس إلى أن “الحالات التي سُجّلت، بالرغم من أنّها محدودة تندرج ضمن خانة التهاب عضلة القلب، الذي قد يُسبّب مشكلة في كهرباء القلب بصورة آنيّة، أو بعد فترة من الإصابة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الوفاة في بعض الحالات”.
ومع ذلك لا يُمكن التعميم أو المضي بأيّ فرضية لأننا نحتاج إلى المزيد من الوقت والدراسات والبيانات والاستنتاجات المترتبة على الإصابة بكورونا على المدى الطويل. فنحن اليوم نراقب هذه البيانات ونحلّلها، ولكننا بحاجة إلى مزيد من المتابعات والدراسات لتقييم الآثار الناجمة عن كورونا، ولتحديد الأمراض التي قد يخلّفها هذا الفيروس في جسم الإنسان.
يتحدّث عباس أيضاً على “حدوث وفيات القلب المفاجئة عند بعض الشباب الذين يُمارسون الرّياضة، ويتناولون البروتين، ويتعرّضون لضغوط حياتية ومجهودات زائدة، ممّا قد يؤدّي إلى سكتة قلبيّة مفاجئة. ومن المهمّ أن نعرف أن حالات الوفاة المفاجئة قد تصيب أشخاصاً أصحاء لا يعانون من مشكلات في الشرايين، ولكنّهم نتيجة المجهود الزائد أو ضعوطات الحياة الكثيرة يُصابون بذبحة قلبيّة مفاجئة ثم وفاة مفاجئة”.
يؤكّد عباس أن “90% من الأشخاص الذين يُتوفّون في أول ساعة بعد الذبحة القلبية يكون السبب كهرباء القلب”. ويُشير إلى دور العامل الوراثيّ المهمّ في الوفاة المبكرة لدى بعض الحالات، التي يكون لديها تاريخ عائليّ في الوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب أو كهرباء القلب أو التدخين بكثرة…”.
وينبّه عباس إلى أهمّ العوارض التحذيريّة، وهي “آلام الصدر، والآلام المتكرّرة والتعب عند القيام بمجهود معيّن”.
وينصح – لذلك – أولئك “الأشخاص (الذين لديهم تاريخ عائلي في الوفاة المبكرة أو الأمراض القلبية الوراثية) بإجراء تخطيط وصورة للقلب. أما بالنسبة إلى مرضى كورونا، فعيشوا حياتكم بشكل طبيعيّ من دون خوف، ولكن لمن يعاني من عوارض جديدة لم تكن سابقاً قبل الإصابة، مثل التعب والإرهاق عند القيام بالمجهود، والضيق في التنفس والتسارع في دقّات القلب، فعليه إجراء صورة وتخطيط للقلب، للتأكّد من صحّة قلبه”.
ويُشدّد عباس على أنّ “ظاهرة الموت المفاجئ في لبنان لا يُمكن ربطها بعامل واحد، بل بعوامل عدّة؛ وفرضيّة التهاب القلب الناتجة من الإصابة بفيروس كورونا أو اللقاح موجودة بنسبة متشابهة مثل الإصابة بأيّ فيروس آخر قد يُصيب القلب كما هي الحال عند الإصابة بفيروسات في الجهاز التنفسيّ؛ فهذه الفيروسات من شأنها أن تُسبب مشكلات في عضلة القلب”.
النهار – ليلى جرجس